الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَآءُ ٱللَّهِ إِلَى ٱلنَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ } * { حَتَّىٰ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوۤاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } * { وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَـٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ } * { وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِّنَ ٱلُخَاسِرِينَ } * { فَإِن يَصْبِرُواْ فَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ ٱلْمُعْتَبِينَ }

قوله تعالى: { وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَآءُ ٱللَّهِ إِلَى ٱلنَّارِ } قرأ نافع ويعقوب وأبان عن عاصم: " نَحْشُرُ " بالنون على البناء للفاعل " أعداءَ " بالنصب. وقرأ باقي القراء العشرة في جميع طرقهم المشهورة: " يحشر " بالياء المضمومة على البناء للمفعول، " أعداءُ " بالرفع.

والقراءة الأولى محمولة على قوله: { ونجينا الذين آمنوا } ، ويؤيدها قوله تعالى:يَوْمَ نَحْشُرُ ٱلْمُتَّقِينَ } [مريم: 85]، والثانية محمولة على " يوزعون " ، والكلام تم عند قوله تعالى:وَكَانُواْ يتَّقُونَ } [فصلت: 18]، فلا معنى لحمل ما بعده عليه.

و { يُوزَعُونَ } مُفسّر في النمل.

قوله تعالى: { وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ } الأظهر: أنها الجلود المعروفة.

وقيل: الأيدي والأرجل.

وقال السدي: هي الفروج.

وعن ابن عباس: كالقولين.

والآخرين قالوا لها حين شهدت عليهم: { لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوۤاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ } هذا تمام كلام الجلود.

وفي هذا الموضع إشكالان ما رأيت أحداً من المفسرين ذكرهما:

أحدهما: أن الشهادة صدرت من السمع والأبصار والجلود، فَلِمَ أفرد الجلود باللوم والسؤال دون السمع والأبصار؟

الثاني: أن حق الجواب أن يكون: شهدنا لكيت وكيت، فلم قالوا: أنطقنا الله، وهم لم يسألوهم عن ذلك؟

قلتُ: على الإشكال الأول إن أريد الجلود المعروفة فلا إشكال فيه؛ لاشتمالها على سائر الأجسام، فلومها وسؤالها شامل لجميع أجزاء البدن، وإن أريد الأيدي والأرجل؛ فلأنهما معتمد الجسد وبهما عامة أكسابه، ويؤيده قوله تعالى:ٱلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [يس: 65]، وإن أريد الفروج؛ فلأن جنايتها أشد من جناية البصر والسمع، والعقوبة الكائنة بسببها أعظم.

وأما الثاني فجوابه أن يقال: لما كان مقصودهم بالسؤال اللوم بقولهم: لم شهدتم علينا؟ أجابوا واعتذروا: قالوا: أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء بالشهادة وألجأنا إليها بطريق القهر والاضطرار الذي أنطق كل شيء.

قال أنس بن مالك: " ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم حتى بدت نواجذه، ثم قال: ألا تسألون مِمَّ ضحكت؟ فقالوا: مِمَّ ضحكت يا رسول الله؟ قال: عجبت من مجادلة العبد ربه يوم القيامة، قال: يقول: يا رب أليس وعدتني ألا تظلمني؟ قال: فإن لك ذلك، قال: فإني لا أقبل عليّ شاهداً إلا من نفسي، قال: أو ليس كفى بي شهيداً والكرام الكاتبين؟ قال: فيختم على فيه، وتتكلم أركانه بما كان يعمل، فيقول لهنّ: بُعْداً لَكُنَّ وسُحقاً، عنكنَّ كنتُ أجادل " هذا حديث انفرد مسلم بإخراجه.

قال الله تعالى: { وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } هذا تقرير. المعنى: إنطاق الجوارح، واستدلال على القدرة على ذلك بالخلق الأول.

قوله تعالى: { وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ } السبب في نزولها: ما أخبرنا به شيخنا الإمام أبو محمد عبدالله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي رضي الله عنه بقراءتي عليه في شعبان سنة تسع وستمائة بظاهر دمشق قال: أخبرنا أبو محمد عبدالقادر بن أبي صالح بن عبدالله الجيلي ببغداد سنة إحدى وستين وخمسمائة قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن المظفر بن سوسن التمار، أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان البزاز قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن العباس بن نجيح سنة أربع وأربعين وثلاثمائة، حدثنا محمد بن مسلمة، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا المسعودي، عن الأعمش، عن أبي وائل -فيما يعلم المسعودي-، عن عبدالله قال:

السابقالتالي
2