قوله تعالى: { فَإِنْ أَعْرَضُواْ } أي: إن تولوا عن الإيمان بعد هذا البيان { فَقُلْ } محذراً لهم ومخوفاً: { أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ }. وروي شاذاً عن ابن كثير: " صَعْقَةً مثل صَعْقَةِ " بغير ألف فيهما. والمعنى: أنذرتكم أن ينزل بكم ما نزل بمن كفر من الأمم قبلكم من العذاب الشديد، الوقع الذي كأنه صاعقة. وخصّ هاتين الأمّتين بالذِّكْر؛ لأن قريشاً كانت تَمُـرُّ بمنازلهم وآثارهم في أسفارهم. { إِذْ جَآءَتْهُمُ ٱلرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ } أي: من كل جانب، وأعملوا فيهم كل حيلة فلم يؤمنوا. وقال الحسن: أنذروهم وقائع الله فيمن قبلهم من الأمم وعذاب الآخرة، فقد جاؤوهم بالوعظ والتخويف من جهة الزمن الماضي والمستقبل. وقيل: جاءتهم الرسل من قبلهم ومن بعدهم. فإن قيل: كيف يستقيم هذا القول وقد قال: " جاءتهم الرسل "؟ قلتُ: الرسل كلهم جاؤوا بدين التوحيد وإيجاب التصديق بكل رسول، فكأن الرسل جميعهم قد جاؤوهم. { أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ } يعني: أي: لا [تعبدوا]. وقيل: هي مخففة من الثقيلة. قالوا استبعاداً لإرسالهم إليهم وتكذيباً لهم: { لَوْ شَآءَ رَبُّنَا } ، ومفعول " شاء " محذوف، تقديره: لو شاء إرسال الرسل { لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً } ولم يرسل بشراً، { فَإِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } هذا ليس اعتراف منهم برسالتهم، وإنما هو على طريقة التهكم بما أرسلتم به على زعمكم. ثم قَصَّ الله تعالى قصة عاد وثمود فقال: { فَأَمَّا عَادٌ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } أي: تكبروا وعتوا على الناس، أو تكبروا عن الإيمان { وَقَالُواْ } حين توعدهم هود بالعذاب: { مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً } فنحن ندفع ما يجيء به، اغتراراً بفخامة أجسامهم وعِظَم أجرامهم. قوله تعالى: { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً } قال أبو عبيدة: هي الشديدة الصوت. قال الزمخشري: هي العاصفة التي تُصَرْصِر، أي: تصوّت في هبوبها. وقال الزجاج: وأكثر التفسير: أنها الشديدة البرد. قال غيره: هي الباردة التي تحرق ببردها، تكرير لبناء الصرّ، وهو البرد الذي يصرّ، أي: يجمع. وقال مجاهد: هي السموم. { فِيۤ أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ } قرأ أبو جعفر وابن عامر وأهل الكوفة: " نحِسات " بكسر الحاء، وأسكنها الباقون من العشرة. فمن كسر الحاء، فالواحد: " نَحِس " ، مثل: فَرِق وحَذِر، وجُمِعَ على ذلك. ومن أسكن الحاء فالواحد " نَحْس ". قال الزمخشري: إما مخفف نَحِس، أو صفة على فَعْل، أو وصف لمصدر. قال مجاهد وقتادة: " نَحِسَات ": مشؤومات. قال ابن عباس: كُنَّ آخر شوال من يوم الأربعاء إلى يوم الأربعاء، وذلك{ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً } [الحاقة: 7]، قال: وما عُذّب قوم إلا في يوم الأربعاء. وقال الربيع بن أنس: أولها يوم الجمعة. وقال السدي: يوم الأحد.