قوله تعالى: { قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ } قال ابن عباس وعبد الله بن سلام والسدي والأكثرون: يوم الأحد ويوم الاثنين. ومن حديث أبي هريرة في صحيح مسلم قال: " أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال: خلق الله التربة يوم السبت، وخلق الجبال فيها يوم الأحد، وخلق الشجر فيها يوم الاثنين... ". وقد ذكرت الحديث في سورة الأعراف عند قوله تعالى:{ إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } [الأعراف: 54]، وذكرنا ثمة ما لا غنى لك عن النظر فيه، وذكرنا كيفية خلق السماوات والأرض في أوائل البقرة. قوله تعالى: { وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا } وهي الجبال. فإن قيل: ما الحكمة في [تثبيتها] بالجبال من فوقها، وهلاّ كانت لها دعائم كسائر الأبنية؟ قلتُ: جعلها فوقها لاستقرارها والانتفاع بها والاستدلال على قدرة مُنشئها وعظمته، وليعلم أن للماسك والممسوك قادراً ممسكاً. { وَبَارَكَ فِيهَا } بإجراء أنهارها وإنشاء أشجارها وإخراج زرعها وثمارها. { وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا } أرزاق أهلها بما يصلحهم في معايشهم. { فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً } قرأ أبو جعفر: " سواءٌ " بالرفع. وقرأ يعقوب وعبد الوارث والقزاز عن أبي عمرو: " سواءٍ " بالجر، والباقون بالنصب. قال الزجاج: من قرأ بالخفض جعل سواء صفة للأيام. المعنى: في أربعة أيام مستويات تامات، ومن نصب فعلى المصدر، على معنى: استوت سواءً واستواءً، ومن رفع فعلى معنى: هي سواء. ومعنى: [ { لِّلسَّآئِلِينَ } ] معلق بقوله تعالى: { وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا } لكل محتاج من خلقه إلى القُوت. وإنما قيل: " للسائلين "؛ لأن كلاً يطلب القُوت ويسأله، ويجوز أن [يكون للسائلين] لمن سأل: في كم خُلقت السموات والأرض؟ فقيل: خُلقت الأرض في أربعة أيام سواء، لا زيادة على ذلك ولا نقصان، جواباً لمن سأل. هذا كلام الزجاج. قلتُ: والمعنى الأول قول ابن زيد، والثاني قول قتادة. قوله تعالى: { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ } أي: عمد إليها وهي دخان متصاعد من الماء. قال المفسرون: لما خلق الله تعالى الماء أرسل عليه الريح فثار منه دخان، فارتفع وسما. { فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً } أي: جيئا بما خلقتُ فيكما لمصالح عبادي، أو افعلا ما آمركما [اختياراً] أو اضطراراً. قال ابن عباس: رَكَّبَ فيهما العقل فخاطبهما، فقال للسموات: أطلعي شمسك وقمرك ونجومك، وقال للأرض: شقِّقي أنهارك وأخرجي ثمارك. { قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } قال ابن عباس: أتت السماء بما فيها، والأرض بما فيها. قال أبو النصر: نطق من الأرض موضع الكعبة، ونطق من السماء ما بحيالها، فوضع الله تعالى فيها حرمه. وقيل: إن ظهور الطاعة منهما قام مقام قولهما. قال الزجاج: " طائعين " منصوب على الحال، وإنما قال: " طائعين " دون طائعات؛ لأنهن جرين مجرى ما يعقل ويُميز، كما قال في النجوم: