الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَادُ } * { يَوْمَ لاَ يَنفَعُ ٱلظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ ٱلْلَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوۤءُ ٱلدَّارِ } * { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْهُدَىٰ وَأَوْرَثْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْكِتَابَ } * { هُدًى وَذِكْرَىٰ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } * { فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَٱسْتَغْفِـرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِبْكَارِ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَّـا هُم بِبَالِغِيهِ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّـهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ }

قوله تعالى: { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } قال أبو العالية: ننصرهم بالحجة.

وقيل: بالانتقام من أعدائهم.

قال السدي: ما قَتَلَ قومٌ قط نبياً أو قوماً من دعاة الحق من المؤمنين إلا بَعث الله تعالى عليهم من ينتقم لهم، فصاروا منصورين في الحياة الدنيا وإن قُتلوا.

وقيل: ننصرهم بجعل العاقبة لهم.

قال الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي رضي الله عنه: وفصلُ الخطاب أن نصرهم حاصل لا بُدَّ منه، فتارة يكون بإعلاء أمرهم كما أعطي داود وسليمان من المُلْك ما قهرا به كل كافر، وأظهر محمداً صلى الله عليه وسلم على مكذبيه، وتارة يكون بالانتقام من مكذبيهم [بإنجاء الرسل وإهلاك أعدائهم، كما فعل بنوح وقومه، وموسى وقومه، وتارة يكون بالانتقام من مكذبيهم] بعد وفاة الرسل، كتسليطه بختنصر على قتلة يحيى بن زكريا.

{ وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَادُ } عطف على ما قبله، أي: ننصرهم في الدنيا، وننصرهم يوم يقوم الأشهاد، وهو جمع شاهد؛ كصاحب وأصحاب، أو جمع شهيد، مثل: شريف وأشراف، وهم الحفظة من الملائكة والأنبياء والمؤمنون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

{ يَوْمَ لاَ تنفع ٱلظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ } قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: " تنفع " بالتاء؛ لتأنيث لفظ المعذرة، وقرأ الباقون بالياء؛ لأن المعذرة والعذر بمعنى واحد. وقد سبق القول [في] نظائره. واليوم الثاني بدل من الأول.

قوله تعالى: { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْهُدَىٰ } وهو جميع ما أوتيه من الآيات والمعجزات وشرائع الدين، { وَأَوْرَثْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْكِتَابَ } التوراة.

{ هُدًى وَذِكْرَىٰ } مفعول له، أو حال.

{ فَٱصْبِرْ } يا محمد على ما يُجَرِّعُك قومك من الغصص { إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } بنصرك وإعلاء كلمتك، وكون العاقبة لك ولأمتك حق كائن ثابت لا محالة.

وكثير من المفسرين يقول: الأمر بالصبر منسوخ بآية السيف.

{ وَٱسْتَغْفِـرْ لِذَنبِكَ } قال الماوردي: أي من ذنب إن كان منك.

وقال الزمخشري: أقبل على التقوى [واستدرِكْ] الفرطات بالاستغفار.

{ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِبْكَارِ } قال ابن عباس: صَلِّ الصلوات الخمس.

وقال الحسن: هي صلاةٌ كانت قبل أن تفرض الصلوات الخمس؛ ركعتان غدوة، وركعتان عشية.

وقيل: نزِّه ربك وأثْنِ عليه.

قوله تعالى: { إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ } يعني: كفار مكة، { مَّـا هُم بِبَالِغِيهِ } أي: ما هم ببالغي موجب الكبر ومقتضاه، وهو ما كانوا يتعلقون به من الرئاسة والنفاسة عليك.

{ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ } مستعيناً به مستجيراً بعزّته من كيدهم ومكرهم وبغيهم وحسدهم.

وذهب جماعة من المفسرين -منهم مقاتل-: إلى أنها نزلت في اليهود، وذلك أنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن صاحبنا المسيح بن داود -يعنون: الدّجّال- يخرج في آخر الزمان، فيبلغ سلطانه البر والبحر، ويَرُدُّ الملكَ إلينا، وتسيرُ معه الأنهار، وإنه من آيات الله، فأنزل الله هذه الآية، وأمره بالاستعاذة من الدجال.

{ إِنَّـهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ } لما تقول ويقولون { ٱلْبَصِيرُ } بما تعمل ويعملون، فهو عاصمك منهم وناصرك عليهم.