قوله تعالى: { وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ } قال ابن عباس: لم يكن مؤمن غيره وغير امرأة فرعون، والرجل الذي قال لموسى:{ إِنَّ ٱلْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ } [القصص: 20]. قال السدي ومقاتل: كان ابن عم فرعون. وقال ابن السائب: كان اسمه عزقيل، وكان ملكاً على نصف الناس، وله الملك من بعد فرعون. وقال ابن عباس: اسمه: خربيل. وقال كعب وابن إسحاق: حبيب. وقيل: سمعون - بالسين المهملة -. وقيل: سمعان - بالسين والشين -. وقيل: كان المؤمن إسرائيلياً. والأول أصح. وكان إيمانه بموسى. وقيل: كان مؤمناً قبل مجيء موسى. والأول أظهر. قوله تعالى: { مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ } صفة لـ " رجل ". وقيل: صفة لـ { يَكْتُمُ } [أي] يكتم { إِيمَانَهُ } من آل فرعون. { أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ ٱللَّهُ } أي: لأن [تقتلون] رجلاً يقول ربي الله. { وَقَدْ جَآءَكُمْ } على صدقه { بِٱلْبَيِّنَاتِ } وهي اليد والعصا في جملة الآيات التسع. { مِن رَّبِّكُمْ } أي: من عند ربكم. فإن قيل: أين الكتمان مع هذا التصريح؟ قلت: المعنى: كان يكتم إيمانه إلى أن صدر منه هذا القول. فإن قيل: ما المانع أن يكون التقدير: من ربكم على زعمه، بدليل قوله: { وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ } وهذا ينفي التصريح بالإيمان، أو يكون الله تعالى حكى ما في نفسه من غير أن يكون صرح بقوله: { مِن رَّبِّكُمْ }؟ قلتُ: الآية الأخرى وهي قوله: { لهم } مذكراً بأنعم الله عليهم ومحذراً لهم من زوالها، وحلول بأس الله عز وجل بهم وما يتلوها مما حكى الله عنه من قوله لقومه ما ينفي ذلك. فإن قيل: فما معنى قوله: { وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ ٱلَّذِي يَعِدُكُمْ }؟ قلتُ: هو استدراجٌ لهم إلى الهدى بألطف طريق، [واستنزالٌ] لهم عن أذى موسى بأحسن وساطة ومناصفة. فإن قيل: لم قال: " بعض الذي يعدكم "؟ قلتُ: قال الزجاج: هذا باب من النَّظَر، يذهب فيه المناظر إلى إلزام الحجة بأيسرِ ما في الأمر، وليس في هذا نفي إصابة الكل، ومثله قول الشاعر:
قد يُدْرِكُ المتأنِّي بعضَ حاجته
وقد يكونُ مِنَ المستَعْجِلِ الزَّللُ
وإنما ذكر البعض ليوجب له الكل؛ لأن البعض من الكل، ولكن القائلَ إذا قال: أقلَّ ما يكون للمتأني إدراكُ بعض الحاجة، وأقلُّ ما يكون للمستعجل الزلل، فقد أبان فضلَ المتأني على المستعجل بما لا يقدر الخصم أن يدفعه. وقال الزمخشري: أراد أن يَهضمه بعضَ حقه في ظاهر الكلام، وتقديم الكاذب على الصادق من هذا القبيل، وكذلك قوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ }. قرأتُ على الشيخ أبي الحسن علي بن أبي بكر بن روزبة، أخبركم عبد الأول.