الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } * { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُواْ سَاحِرٌ كَـذَّابٌ } * { فَلَمَّا جَآءَهُمْ بِٱلْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ ٱقْتُلُوۤاْ أَبْنَآءَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ وَٱسْتَحْيُواْ نِسَآءَهُمْ وَمَا كَـيْدُ ٱلْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ } * { وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِيۤ أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُـمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي ٱلأَرْضِ ٱلْفَسَادَ } * { وَقَالَ مُوسَىٰ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُـمْ مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ ٱلْحِسَابِ }

ثم ذكر سبحانه وتعالى قصة موسى وفرعون وحديثه مع قارون ليعتبروا فقال تعالى: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ } قال المفسرون: أعاد اللعينُ القتل على بني إسرائيل حين جاءهم موسى، فذلك قوله تعالى: { قَالُواْ ٱقْتُلُوۤاْ أَبْنَآءَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ وَٱسْتَحْيُواْ نِسَآءَهُمْ }.

قال قتادة: [كان] فرعونُ قد كفَّ عن قتل الولدان، فلما بَعَثَ الله تعالى موسى أعاد عليهم القتل ليصدّهم بذلك عن متابعة موسى عليه الصلاة والسلام.

{ وَمَا كَـيْدُ } فرعون { إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ } أي: في ضياع وذهاب؛ لأنه ما عصمه مما أراد الله به من العذاب.

{ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِيۤ أَقْتُلْ مُوسَىٰ } وكانوا نهوْه عن قتله وقالوا: ليس هو بالذي تخافه، وهو أقلُّ من ذلك وأضعف، وما هو إلا بعض السحرة، وكانوا قالوا له: إن قتلته أدخلت الشبهة على الناس، واعتقدوا أنك عجزت عن معارضته بالحجة.

وقيل: كان في ملئه مؤمنون من بني إسرائيل يكفونه عن قتله.

{ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ } الذي يزعم أنه أرسله { إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُـمْ }.

قال قتادة: أن يُغيّر أمركم الذي أنتم عليه.

{ وأن يظهر } قرأ أهل الكوفة: " أو أن يظهر " ، وقرأ الباقون: " وأن ".

وقرأ نافع وأبو عمرو وحفص: " يُظهِرَ " بضم الياء وكسر الهاء [ { الفسادَ } بالنصب] و[قرأ الباقون: " يَظْهَرَ " بفتح] الياء، " الفسادُ " بالرفع.

فمن قرأ: " وأن يظهر " بواو العطف، كان المعنى: إني أخاف هذه الأمرين.

ومن قرأ: " أو أن يظهر " فالمعنى: إني أخاف عليكم هذا الضرب عليكم، كما تقول: كل خبز أو تمر، أي: كل هذا الضرب من الطعام.

ومن قرأ: " يُظْهِرَ " بضم الياء، أسند الفعل إلى موسى وطابق بينه وبين الفعل الذي قبله وهو يبدل، والباقون أضافوا الفعل إلى الفساد؛ لأن التبديل إذا وقع ظهر الفساد.

والمعنيُّ بظهور الفساد: تغييرُ دينهم على زعمه.

وقيل: يُظهر الفساد بقتل أبنائكم كما فعلتم بهم.

{ وَقَالَ مُوسَىٰ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُـمْ } قرأ حمزة وأبو عمرو والكسائي: " عذت " بإدغام الذال في التاء لتقارب مخرجهما؛ لأنهما من طرف اللسان وأصول الثنايا. وقرأ الباقون بالإظهار؛ لأن الذال ليس من مخرج التاء، إنما هي من مخرج الظاء والثاء. ثم إن الذال حرف مجهور والتاء مهموسة، والمجهور أقوى من المهموس، فإدغامه فيه إجحاف به، ونقل له من القوة إلى الضعف.

والمعنى: وقال موسى لقومه: إني استجرت بربي وربكم.

وفي قوله: " وربكم " تنبيه لهم وبعث على الاعتصام بالله { مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ } عن الخضوع لله والإيمان بفرعون وغيره { لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ ٱلْحِسَابِ }؛ لأن انضمام كفره إلى كبره يوجب له مزيد قسوة وجرأة على الله وعباده، فلذلك استعاذ منه.