الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلأَزِفَةِ إِذِ ٱلْقُلُوبُ لَدَى ٱلْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ } * { يَعْلَمُ خَآئِنَةَ ٱلأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي ٱلصُّدُورُ } * { وَٱللَّهُ يَقْضِي بِٱلْحَقِّ وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ }

قوله تعالى: { وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلأَزِفَةِ } وهو يوم القيامة، سمي بذلك؛ لأزوفه، وهو قربه، ومنه:أَزِفَتِ ٱلآزِفَةُ } [النجم: 57].

وقيل: هو يوم حضور المنية.

والأول أصح.

{ إِذِ ٱلْقُلُوبُ لَدَى ٱلْحَنَاجِرِ } وذلك أنها ترتقي من المخافة وتنتقل من مقارّها إلى الحناجر، فلا ترجع إلى مواضعها فيتنفسوا ويستريحوا، ولا تخرج فيموتوا، ولكنها معترضة كالشَّجَا. وقد سبق ذكر الحناجر في الأحزاب.

قال الزجاج: { كَاظِمِينَ } منصوب على الحال، والحال محمولة على المعنى؛ لأن القلوب لا يقال لها: كاظمين، وإنما الكاظمون أصحاب القلوب. والمعنى: إذ قلوب الناس لدى الحناجر في حال كَظْمِهِم. وجاء في التفسير: أن القلب [من] الفزع يرتفع فيلصق بالحنجرة فلا يرجع إلى مكانه، ولا يخرج فيُسْتَراحُ من كَرْبِ غمّه.

قال الزمخشري: ويجوز أن يكون حالاً عن القلوب، وأن القلوب كاظمة على غمٍ وكربٍ فيها مع بلوغها الحناجر، وإنما جَمَعَ الكاظمَ جَمْعَ السلامة، لأنه وصفها بالكظم الذي هو من أفعال العقلاء، كما قال:رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ } [يوسف: 4]. ويؤيده قراءة من قرأ: " كاظمون ".

ويجوز أن يكون حالاً عن قوله تعالى: { وَأَنذِرْهُمْ } [أي: وأنذرهم] مقدرين أو مشارفين الكظم، كقوله:فَٱدْخُلُوهَا خَالِدِينَ } [الزمر: 73].

قال المفسرون: " كاظمين ": أي: مغمومين ممتلئين خوفاً وحزناً.

وقال قطرب: ساكتين، وأنشدوا قول الشماخ:
فظَلَّتْ كأنّ الطيرَ فوق رؤوسها    صيامٌ تُباري الشمس وهْي كُظُوم
وقال علي بن عيسى: الكاظم: الساكت على امتلائه غيظاً. وقد سبق ذكر ذلك.

قوله تعالى: { مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ } قال الحسن: من قريب.

وقال مجاهد: من شقيق.

{ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ } قال الحسن: والله ما يكون لهم شفيع البتة.

قوله تعالى: { يَعْلَمُ خَآئِنَةَ ٱلأَعْيُنِ } أي: هو يعلم. والخائنة والخيانة واحدة.

قال قتادة: وهو الغمز بالعين فيما لا يحبه الله تعالى و[لا] يرضاه.

قال ابن السائب: النظرة بعد النظرة.

وقال ابن عباس: هو الرجل يكون في القوم فتمرُّ به المرأة فيريهم أنه يغضُّ بصره، فإذا رأى فيهم غفلة لحظ إليها، فإن خاف أن يفطنوا له غضَّ بصره.

{ وَمَا تُخْفِي ٱلصُّدُورُ } قال ابن عباس: ما تضمره من الفعل أن لو قدرت على ما نظرت إليه.

وقال السدي: الوسوسة.

وقيل: ما يضمره القلب من أمانة وخيانة.

{ وَٱللَّهُ يَقْضِي بِٱلْحَقِّ } فيجازي بالسيئة والحسنة، { وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ } وقرأ نافع وابن عامر في رواية: " تدعون " بالتاء، على معنى: قل لهم والذين تدعون من دونه لا يقضون بشيء.