الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ رَفِيعُ ٱلدَّرَجَاتِ ذُو ٱلْعَرْشِ يُلْقِي ٱلرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ ٱلتَّلاَقِ } * { يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لاَ يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } * { ٱلْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَـسَبَتْ لاَ ظُلْمَ ٱلْيَوْمَ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ }

قوله تعالى: { رَفِيعُ ٱلدَّرَجَاتِ ذُو ٱلْعَرْشِ } مبتدأ، خبره مقدم عليه وهو: " رفيع الدرجات ".

وقرئ: " رفيعَ " بالنصب على المدح.

واختلفوا في معنى " رفيع الدرجات "؛ فقال ابن عباس: يعني: رافع السماوات.

وقيل: عظيم الصفات.

وقيل: رفعه درجات أوليائه.

وقيل: هو كقوله تعالى:ذِي ٱلْمَعَارِجِ } [المعارج: 3] وهي مصاعد الملائكة إلى أن تبلغ العرش.

وقيل: هو مَجَازٌ عن عُلوّ شأنه وعظمة سلطانه.

{ يُلْقِي ٱلرُّوحَ } وهو الوحي. وقيل: جبريل.

{ مِنْ أَمْرِهِ } قال ابن عباس: من قضائه.

وقال مقاتل: بأمره.

وقيل: " من أمره ": من قوله. وهذا يجيء على قول من قال: الروح: الوحي.

{ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } وهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

{ لِيُنذِرَ } الله، أو الروح، أو النبي الذي ألقي عليه الروح.

وقرأتُ ليعقوب من رواية زيد عنه: " لتنذر " على الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، أو لتنذر الروح؛ لأنها مؤنث.

{ يَوْمَ ٱلتَّلاَقِ } وهو يوم القيامة.

قال ابن عباس: يلتقي فيه أهل السماوات وأهل الأرض والأولون والآخرون.

وقال قتادة: يلتقي الخالق والمخلوق.

وقال ميمون بن مهران: يلتقي فيه الظالم والمظلوم.

وقيل: يلتقي المرء بعمله.

{ يَوْمَ هُم بَارِزُونَ } ظاهرون لا يسترهم جبل ولا أكمة ولا بناء ولا شيء، ولا عليهم ثياب، كما جاء في الحديث: " يحشرون حفاةً عراةً غُرْلاً ".

{ لاَ يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ } أي: لا يخفى عليه من أعمالهم وأحوالهم شيء.

ولعمري! إن الله تعالى لا يخفى عليه شيء برزوا أو اختفوا، وإنما هذا لدفع ما توهمه الكفرة والجهلة، كما قال الله تعالى:وَلَـٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ } [فصلت: 22].

وقيل: المعنى: يوم هم بارزون من قبورهم لا يخفى على الله منهم شيء، بل ينشرهم ويحشرهم جميعاً.

قوله تعالى: { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ } قال محمد بن كعب وأكثرُ العلماء بالتفسير: إذا أفنى الله تعالى الخلائق يقول: لمن الملك اليوم؟ فلا يجيبه أحد، فيجيب نفسه عز وجل فيقول: { لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ }.

وقال ابن مسعود: يجمع الله الخلائق يوم القيامة بصعيد واحد، بأرض بيضاء كأنها سبيكة فضة، لم يُعص اللهُ تعالى فيها قط، فأول ما يتكلم به أن ينادي مناد: { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ } إلى قوله تعالى: { سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ }.

فعلى هذا: المجيب هو المنادي.

وقال عطاء: يجيب الله تعالى نفسه فيقول: { لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ }.

وقال ابن جريج: تجيبه الخلائق المؤمنون والكافرون فيقولون: " لله الواحد القهار ".

وقوله: " اليوم " ينتصب بمدلول قوله تعالى: { لِّمَنِ } ، أي: لمن ثبت الملك في هذا اليوم.

وقال قوم: الوقف على " الملك " حسن، ويبتدئ: " اليوم لله " ، أي: هو ثابت لله في هذا اليوم.