قوله تعالى: { رَفِيعُ ٱلدَّرَجَاتِ ذُو ٱلْعَرْشِ } مبتدأ، خبره مقدم عليه وهو: " رفيع الدرجات ". وقرئ: " رفيعَ " بالنصب على المدح. واختلفوا في معنى " رفيع الدرجات "؛ فقال ابن عباس: يعني: رافع السماوات. وقيل: عظيم الصفات. وقيل: رفعه درجات أوليائه. وقيل: هو كقوله تعالى:{ ذِي ٱلْمَعَارِجِ } [المعارج: 3] وهي مصاعد الملائكة إلى أن تبلغ العرش. وقيل: هو مَجَازٌ عن عُلوّ شأنه وعظمة سلطانه. { يُلْقِي ٱلرُّوحَ } وهو الوحي. وقيل: جبريل. { مِنْ أَمْرِهِ } قال ابن عباس: من قضائه. وقال مقاتل: بأمره. وقيل: " من أمره ": من قوله. وهذا يجيء على قول من قال: الروح: الوحي. { عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } وهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. { لِيُنذِرَ } الله، أو الروح، أو النبي الذي ألقي عليه الروح. وقرأتُ ليعقوب من رواية زيد عنه: " لتنذر " على الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، أو لتنذر الروح؛ لأنها مؤنث. { يَوْمَ ٱلتَّلاَقِ } وهو يوم القيامة. قال ابن عباس: يلتقي فيه أهل السماوات وأهل الأرض والأولون والآخرون. وقال قتادة: يلتقي الخالق والمخلوق. وقال ميمون بن مهران: يلتقي فيه الظالم والمظلوم. وقيل: يلتقي المرء بعمله. { يَوْمَ هُم بَارِزُونَ } ظاهرون لا يسترهم جبل ولا أكمة ولا بناء ولا شيء، ولا عليهم ثياب، كما جاء في الحديث: " يحشرون حفاةً عراةً غُرْلاً ". { لاَ يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ } أي: لا يخفى عليه من أعمالهم وأحوالهم شيء. ولعمري! إن الله تعالى لا يخفى عليه شيء برزوا أو اختفوا، وإنما هذا لدفع ما توهمه الكفرة والجهلة، كما قال الله تعالى:{ وَلَـٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ } [فصلت: 22]. وقيل: المعنى: يوم هم بارزون من قبورهم لا يخفى على الله منهم شيء، بل ينشرهم ويحشرهم جميعاً. قوله تعالى: { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ } قال محمد بن كعب وأكثرُ العلماء بالتفسير: إذا أفنى الله تعالى الخلائق يقول: لمن الملك اليوم؟ فلا يجيبه أحد، فيجيب نفسه عز وجل فيقول: { لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ }. وقال ابن مسعود: يجمع الله الخلائق يوم القيامة بصعيد واحد، بأرض بيضاء كأنها سبيكة فضة، لم يُعص اللهُ تعالى فيها قط، فأول ما يتكلم به أن ينادي مناد: { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ } إلى قوله تعالى: { سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ }. فعلى هذا: المجيب هو المنادي. وقال عطاء: يجيب الله تعالى نفسه فيقول: { لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ }. وقال ابن جريج: تجيبه الخلائق المؤمنون والكافرون فيقولون: " لله الواحد القهار ". وقوله: " اليوم " ينتصب بمدلول قوله تعالى: { لِّمَنِ } ، أي: لمن ثبت الملك في هذا اليوم. وقال قوم: الوقف على " الملك " حسن، ويبتدئ: " اليوم لله " ، أي: هو ثابت لله في هذا اليوم.