الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ حـمۤ } * { تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } * { غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ ذِي ٱلطَّوْلِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ }

قوله تعالى: { حـمۤ } قرأ حمزة والكسائي بإمالة الحاء في الجمع.

واختلفت الرواية عن ابن عامر؛ فروي عنه الإمالة والتفخيم، [وفخمها] الباقون.

قال الزجاج: فأما الميم فساكنة في قراءة القُرّاء كلهم، إلا عيسى بن عمر فإنه حكي عنه أنه قرأ:

" حَمَ " وفتح الميم، وذلك على ضربين:

أحدهما: أن تجعل " حم " اسماً للسورة، فتنصبه ولا تنونه؛ لأنه على لفظ الأسماء الأعجمية، نحو: هابيل وقابيل, ويكون المعنى على قولك: اتل حم يا هذا.والأجود أن يكون فَتَحَ " حم "؛ لالتقاء الساكنين، حيث جعله اسماً للسورة، ويكون حكاية حرف هجاء.

وقال الزمخشري: وجه الفتح: التحريك لالتقاء الساكنين، وإيثار أخف الحركات، نحو: أين وكيف، أو النصب بإضمار " اقرأ " ، ومنع الصرف للتأنيث والتعريف، أو التعريف وأنها [على زنة] أعجمي، نحو: قابيل وهابيل.

وللمفسرين في معنى حم ثمانية أقوال:

أحدها: أنه اسم من أسماء الله تعالى أقسم الله تعالى به.

الثاني: أن معنى " حم ": قضي ما هو كائن.

الثالث: أنهما مع انضمام الر [وحم] ونون اسم الرحمن على الهجاء. رويت هذه الأقوال الثلاثة عن ابن عباس.

الرابع: أن الحاء مفتاح اسم حميد، والميم مفتاح مجيد. قاله أبو العالية.

الخامس: أن الحاء مفتاح كل اسم [لله ابتداؤه حاء، مثل: حكيم، وحليم، وحي. والميم مفتاح كل اسم] أوله ميم، مثل: ملك، ومتكبر، ومجيد، ومهيمن. قاله عطاء الخراساني.

قال محمد بن كعب القرظي: أقسم الله تعالى بحلمه وملكه أن لا يعذب أحداً عاد إليه بقول: لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه.

السادس: أن حم اسم من أسماء القرآن. قاله قتادة.

السابع: أنه اسم السورة. قاله الشعبي.

الثامن: أنه اسم محمد صلى الله عليه وسلم. قاله جعفر الصادق.

وفي صحيح البخاري: يقال: حم اسم، يدل عليه قول شريح بن أبي أوفى العبسي:
يُناشدني حم والرمح دونه     فهلاَّ تلا حم قبل التقدم
قوله تعالى: { وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ } جمع توبة، أو مصدر.

وقال صاحب الكشاف: التَّوْب والثَّوْب والأَوْب: أخواتٌ في معنى الرجوع، والطَّوْلُ: الفضل والزيادة. يقال: لفلان على فلان طَوْل.

فإن قلت: كيف اختلفت هذه الصفات تعريفاً وتنكيراً، والموصوف معرفة تقتضي أن تكون مثله معارف؟

قلتُ: أما غافر الذنب وقابل التوب فمعرفتان؛ لأنه لم يُرد بهما حدوثُ الفعلين، وأنه يغفر [الذنب] ويقبل التوب الآن أو غداً، حتى يكونا في تقدير الانفصال، وتكون إضافتهما غير حقيقية؛ وإنما أريد ثبوت ذلك ودوامه، وكان حكمهما حكم إله الخلق ورب العرش.

وأما شديد العقاب فأمره مشكل؛ لأنه في تقدير: شديد عقابه لا ينفك من هذا التقدير، وقد جعله الزجاج بدلاً. وفي كونه بدلاً وحده [بين] الصفات [نبوّ] ظاهر، والوجه أن يقال: لما صودف بين هؤلاء المعارف هذه النكرة الواحدة، فقد آذنت بأن كلُّها أبدالٌ غير أوصاف، ومثال ذلك قصيدة جاءت تفاعيلها كلها على [مُسْتَفْعِلُنْ]، فهي محكوم عليها بأنها من بحر الرجز، فإن وقع فيها جزء واحد على مُتَفَاعِلُنْ كانت من الكامل.

السابقالتالي
2