الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَىۤ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا فَعِنْدَ ٱللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذٰلِكَ كُنْتُمْ مِّن قَبْلُ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }

قوله تعالى: { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ } أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث ابن عباس قال: " لقي ناس من المسلمين رجلاً في غُنَيْمة له، فقال: السلام عليكم، فأخذوه فقتلوه، وأخذوا تلك الغنيمات، فنزلت: { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَىۤ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً }. وقرأها ابن عباس: السَّلَمَ ".

وروي عن ابن عباس: أن قوماً من أهل مكة سمعوا بسرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم تريدهم، فهربوا، وأقام رجل منهم، يقال له: مرداس بن نُهيْك، من أهل فَدَك، ثقة بإسلامه، فلما رأى مرداس الخيل كبَّر وقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فقتله أسامة بن زيد ظناً منه أنه قالها تعوُّذاً، واستاق غنمه، فلما رجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبروه الخبر، وَجَدَ من ذلك وَجْداً شديداً، وقال: " قتلتموه إرادة ما معه " ، فقال أسامة: استغفر لي يا رسول الله، قال: " فكيف بلا إله إلا الله "؟ فما زال يقولها حتى وددتُ أني لم أكن أسلمتُ إلا يومئذ، ثم استغفر لي، وقال: " أعتق رقبة " ، ونزلت هذه الآية.

ومعنى " ضربتم ": سرتم وغزوتم، " فتبينوا ": من البيان.

وقرأ حمزة والكسائي: " فَتَثَبَّتُوا " من الثبات، في الموضعين، وكذلك في الحجرات.

{ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَىۤ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلاَمَ } وهو التحية المعروفة.

وقرأ نافع وابن عامر وحمزة: " السَّلَمَ " بغير ألف، وهو الانقياد والاستسلام.

{ لَسْتَ مُؤْمِناً } وقرأت على شيخنا أبي البقاء لأبي جعفر: " مُؤْمَناً " بفتح الميم، من الأمان، وهي قراءة علي وابن عباس رضي الله عنهم.

{ تَبْتَغُونَ عَرَضَ ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا } وهو متاعها، يسير إلى غَنيمة: الغُنيمة، فهو الذي دعاكم إلى عدم التثبّت عن حال مَن تقتلونه. { فَعِنْدَ ٱللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ } قال مقاتل: ثواب الجنة.

وقال أبو سليمان الدمشقي: أبواب الرزق.

وعندي: أن هذا الكلام خارجٌ مخرج البشارة بما سيُفتَح من البلاد عليهم، ويُجبَى من الأموال إليهم، فيكون المعنى: لا يحملنكم حب إحراز الغنائم على المسارعة إلى القتل من غير تثبت، فلكم عند الله مغانم كثيرة.

{ كَذٰلِكَ كُنْتُمْ مِّن قَبْلُ } تخفون إيمانكم بمكة، كما أن هذا يخفي إيمانه بين ظهراني قومه، فمَنَّ الله عليكم بالهجرة وإعلان الإيمان.

وقال قتادة: " كذلك كنتم من قبل ": ضُلالاً، " فمَنَّ الله عليكم " بالإسلام.

ثم أكد الأمر بالتثبيت أو التبيين فقال: { فَتَبَيَّنُواْ }.