الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَٰقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىۤ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ ٱللَّهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } * { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَٰلِداً فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً }

قوله تعالى: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً } السبب في نزول هذه الآية: أن عياش بن أبي ربيعة أسلم قبل أن يهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخاف أن يُظهر إسلامه لقومه، فخرج إلى المدينة، فقالت أُمه لابنيها: أبي جهل والحارث ابني هشام - وكانا أخويه لأمه -: والله لا يظلني سقف، ولا أذوق طعاماً، ولا شراباً حتى تأتياني به، فخرجا في طلبه، ومعهما الحارث بن يزيد، حتى أتوا عياشاً وهو متحصن في أُطُم، فقالوا له: انزل - وأخبروه خبر أُمه -، ولك علينا أن لا نحول بينك وبين دينك، فنزل، فأوثقوه، وجلده كل واحد منهم مائة جلدة، فقدموا به على أمه، فقالت: والله لا أحلّك من وثاقك حتى تكفر بمحمد، فطُرِح موثقاً في الشمس، حتى أعطاهم ما أرادوا، فقال له الحارث بن يزيد: يا عياش؛ إن كان ما كنت عليه هدىً لقد تركته، وإن كان ضلالاً لقد ركبته، فغضب وقال: والله لا ألقاك خالياً إلا قتلتك، ثم أفلت عياش بعد ذلك وهاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أسلم الحارث بعده، وهاجر، ولم يعلم عياش، فلقيه يوماً فقتله، فقيل له: إنه قد أسلم، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان، وقال: لم أشعر بإسلامه، فنزلت هذه الآية.

وقوله: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ } أي: ما ينبغي ولا يليق بحال مَن اتصف بالإيمان، { أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً } ابتداءً من غير سبب يوجب قتله.

وقوله: { إِلاَّ خَطَئاً } حال، أو صفة مصدر محذوف، أو مفعول له، على معنى: ما ينبغي أن يقتله لعِلَّة من العلل إلا للخطأ وحده.

والمعنى: إلا على وجه الخطأ بأن يظنه كافراً، أو يرمي كافراً فيصيبه.

وروى أبو عبيدة عن يونس أنه سأل رؤبة عن هذه الآية فقال: ليس له أن يقتله عمداً ولا خطأً، ولكنه أقام " إلا " مُقَام الواو.

قال الشاعر:
وَكُلُّ أَخٍ مُفَارِقُهُ أَخُوهُ    لَعَمْرُ أَبيكَ إِلاَّ الفرْقَدانِ
أراد: والفرقدان.

وقيل: وقع الاستثناء على ما تضمنته الآية من استحقاق الإثم وإيجاب القتل.

وقيل: الاستثناء منقطع، التقدير: لكن قد يقتله خطأ.

{ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } أي: فعليه تحرير رقبة { مُّؤْمِنَةٍ } ، واشترط الإمام أحمد - في إحدى الروايتين عنه - أن تكون قد صامت وصلَّت، وهو قول ابن عباس في رواية عنه، والحسن وقتادة وعامة المفسِّرين.

{ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ } وهم ورثة المقتول، { إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ } أي: إلا أن يتصدق الورثة بالدِيَة على القاتل فتسقط.

فصل

لا نعلم خلافاً أن إعتاق الرقبة متعلق بمال القاتل، وأن الدية على عاقلته، تحملها عنه على طريق المواساة منجمة أثلاثاً في ثلاث سنين، ولا يلزم الجاني منها شيء.

السابقالتالي
2 3 4