الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوۤاْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } * { وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءً فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَٰقٌ أَوْ جَآءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَٰتِلُوكُمْ أَوْ يُقَٰتِلُواْ قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَٰتَلُوكُمْ فَإِنِ ٱعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَٰتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَمَ فَمَا جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً } * { سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوۤاْ إِلَى ٱلْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوۤاْ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَمَ وَيَكُفُّوۤاْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَـٰئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً }

قوله: { فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ }.

أخبرنا الشيخان أبو القاسم، وأبو الحسن البغداديان، قالا: أخبرنا أبو الوقت، أخبرنا الداودي، أخبرنا السرخسي، أخبرنا الفربري، حدثنا البخاري، حدثني محمد بن بشار، حدثنا غُنْدَر وعبد الرحمن، قالا: حدثنا شعبة، عن عدي، عن عبد الله بن يزيد، عن زيد بن ثابت: " { فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ } رجع ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من أُحُد، وكان الناس فيهم فرقتين، فريق يقول: اقتلهم، وفريق يقول: لا، فنزلت: { فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ } ، وقال: إنها طيبة تنفي الخبث، كما تنفي النار خبث الفضة ". وأخرجه مسلم أيضاً.

وقال عبد الرحمن بن عوف: نزلت في قوم أسلموا فأصابهم وباء المدينة وحماها، فخرجوا، فاستقبلهم نفر من المسلمين، فقالوا: ما لكم خرجتم؟ قالوا: أصابنا وباء المدينة، فَاجْتَوَيْنَاهَا، فقالوا: أما لكم في رسول الله أُسوة؟ فقال بعضهم: نافقوا، وقال بعضهم: لم ينافقوا، فنزلت هذه الآية.

وقيل: نزلت في العُرَنيين الذين أغاروا على سرح رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقيل: نزلت في الذين لم يهاجروا من مكة.

والمعنى: ما لكم اختلفتم في شأن قوم ظهر نفاقهم، وتفرقتم فيهم فئتين -أي: فرقتين، ونصبها على الحال -، وما لكم لم تجتمعوا على كفرهم.

{ وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ } رَدَّهُم إلى الشرك كما كانوا، يقال: أَرْكَسَ الشَّيْء ورَكَسَهُ، { بِمَا كَسَبُوۤاْ } من الفعل القبيح الدال على كفرهم ونفاقهم.

{ أَتُرِيدُونَ } أيها المؤمنون، { أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ } لأنهم قالوا: هم إخواننا، وتكلموا بكلمتنا، فأنكر الله عليهم نسبة المنافقين إليهم.

{ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } إلى الحُجَّة، ولا دليلاً على المحجة.

ثم أخبر الله المؤمنين بما تنطوي عليه ضمائرهم لهم، لئلا يحسنوا الظن بهم، فقال: { وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ } عطف على " تكفرون " ، إذ لو كان جواباً لحذفت النون، والمعنى: أحبوا كفركم وكونكم مثلهم.

{ فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي: يرجعوا إلى رسول الله بنِيَّةٍ خالصة من شوائب النفاق.

{ فَإِنْ تَوَلَّوْاْ } عن التوحيد والهجرة، { فَخُذُوهُمْ } أُسَراء، { وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } في حِلٍّ أو حرم، { وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً }.

قوله: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ يَصِلُونَ } استثناهم الله عز وجل من قوله: { فَخُذُوهُمْ وَٱقْتُلُوهُمْ } التقدير: خذوهم واقتلوهم إلا الذين يتصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق، فيكون بينهم رابطة حِلْف أو جوار، فلا تأخذوهم ولا تقتلوهم.

قال ابن عباس: والمراد بالقوم: هلال بن عويمر الأسلمي وقومه، وكان وَادَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن [لا] يعينه، ولا يعين عليه، وكان مَن وصل إلى هلال من قومه وغيرهم فلهم من الجوار مثل ما لهلال.

السابقالتالي
2