الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَٱللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً } * { مَّن يَشْفَعْ شَفَٰعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَٰعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً } * { وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً } * { ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثاً }

قوله تعالى: { فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } قال ابن عباس: لما ندب النبي صلى الله عليه وسلم الناس لموعد أبي سفيان ببدر الصغرى بعد أُحُد كره بعضهم ذلك، فأنزل الله هذه الآية.

والفاء في قوله: " فقاتل " متعلقة بقوله:وَمَن يُقَاتِلْ } [النساء: 74]، أو بقوله:وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } [النساء: 75]، على معنى: إن لم يقاتلوا في سبيل الله فقاتل أنت وإن بقيت وحدك.

{ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ } إلا الجهاد بنفسك.

{ وَحَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي: ليس عليك إلا تحريضهم، وحضَّهم على الجهاد، { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي: شدتهم.

قد سبق الكلام على " عسى ". وفي الجملة إطماع الكريم واجب واقع، فحقق الله ذلك، فكف بأس الذين كفروا، أبو سفيان وأصحابه، كما ذكرناه في آل عمران.

{ وَٱللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً } عقوبة.

قوله: { مَّن يَشْفَعْ شَفَٰعَةً حَسَنَةً... } الآية قال الحسن: ما يجوز في الدين أن يُشفع فيه فهو شفاعة حسنة، وما لا يجوز أن يُشفع فيه فهو شفاعة سيئة.

فيدخل في الشفاعة الحسنة كل شفاعة جلبت للإنسان خيراً، ونَفَتْ عنه ضيراً، والإصلاح بين الناس والدعاء للمؤمنين.

والسيئة بخلاف ذلك.

وهذه الجملة تشتمل على تفاصيل أقوال المفسِّرين في الشفاعتين.

والنَّصيب والكِفْل بمعنى واحد.

والمعنى: أن لهذا نصيباً من الأجر، ولهذا كِفْلاً من الوِزْر.

وفي الصحيحين من حديث أبي موسى: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَليَقْضِ الله عَلَى لِسَانِ نَبيِّهِ مَا أَحَبّ ".

وثبت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر أنه قال: " مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ الله، فَقَدْ حَادَّ الله في ملكه ".

قوله: { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً } أي: مقتدراً. يقال: أَقَاتَ على الشيء يُقِيتُ إِقَاتَةً؛ إذا اقْتَدَرَ عليه، وأنشدوا:
وَذِي ضِغْنٍ كَفَفْتُ النَّفْسَ عَنْهُ    وَكُنْتُ عَلَى إِسَاءَتِهِ مُقِيتا
وقال قتادة: المُقِيت: الحفيظ.

قال الزجاج: هو بهذا أشبه، لأنه مشتق من القُوت. يقال: قُتُّ الرَّجُلَ أَقُوتُهُ قَوْتاً؛ إذا حَفِظْتَ عليه نَفْسَهُ بما يَقُوته، واسم الشيء الذي يَحْفَظُ نَفْسَهُ: القُوت، فمعنى المُقِيت: الحافظ الذي يعطي الشيء على قدر الحاجة من الحفظ.

قال الشاعر:
أَلِيَ الفَضْلُ أَمْ عَلَيَّ إِذا حُو     سِبتُ، إِنِّي عَلَى الحِسَاب مُقِيتُ
والقولان عن ابن عباس.

قوله: { وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ } التفسير المشهور الذي عليه الجمهور، أن التحية: السلام، { فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ } مثل أن يقول لك أخوك المسلم: السلام عليكم، فتقول: وعليكم السلام ورحمة الله، { أَوْ رُدُّوهَآ } قولوا مثلها، ندب سبحانه إلى الفضل في الرد، وأوجب العدل، { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ } من الفضل في الرد، والعدل فيه، { حَسِيباً } مجازياً مكافياً.

قوله: { لَيَجْمَعَنَّكُمْ } هذه لام القسم، تقديره: والله ليجمعنكم، يعني: في الموت، أو في القبور، { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } ويُحتمل أن يكون المعنى: ليجمعنكم في يوم القيامة.

وهو يوم قيام الناس من قبورهم، فالقيامة والقيام بمعنى، كالطِلابة والطِلاب، { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثاً } أي: قولاً ووعداً.