الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَٱنفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ ٱنْفِرُواْ جَمِيعاً } * { وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَّعَهُمْ شَهِيداً } * { وَلَئِنْ أَصَٰبَكُمْ فَضْلٌ مِنَ الله لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يٰلَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً } * { فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يَشْرُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً }

قوله: { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ } الحِذْر والحَذَر لغتان؛ كالمِثْل والمَثَل، والشِبْه والشَبَه، والمعنى: خذوا حذركم من عدوكم، وذلك بالتيقظ وإعداد آلة الحرب، ونصب راية الجهاد، ألا تراه يقول: { فَٱنفِرُواْ ثُبَاتٍ } أي: انفروا إلى الجهاد ثُبات، هو جمع ثُبَةٍ، وهي الجماعة.

قال زهير:
وَقَدْ أَغْدُوا عَلَى ثبَةٍ كِرَامٍ     نَشَاوى وَاجِدِينَ لمَا نَشَاءُ
والمعنى: انفروا للجهاد سريّة بعد سريّة.

{ أَوِ ٱنْفِرُواْ جَمِيعاً } على حسب ما يقتضيه الرأي، وتوجبه الحكمة.

{ وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ } وهم المنافقون، وأُضيفوا إليهم لجريان أحكام الإسلام عليهم.

وقيل: هم الذين قلَّت بصائرهم من المؤمنين.

ومعنى: { لَّيُبَطِّئَنَّ } ليتثاقلنّ ويتخلّفن. مِنْ بطأ وأَبْطَأَ.

ويجوز أن يكون المعنى: ليبطئن غيره.

واللام في " لمن " للابتداء، وفي " ليبطئن " جواب قسم محذوف، والتقدير: وإن منكم لمن أقسم بالله " ليبطئن " ، والقسم وجوابه صلة " مَن " ، والعائد ما استكن في " ليبطئن ".

والمصيبة: قتل أو هزيمة، والفضل: فتح وغنيمة.

قال صاحب الكشاف: { كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ } اعتراض بين الفعل الذي هو " ليقولن " وبين مفعوله وهو " يا ليتني ".

والظاهر: أنه تَهَكُّمٌ بالمنافقين، لأنهم كانوا أعدى عدو للمؤمنين، فكيف يوصفون بالمَودَّة، إلا على وجه العكس. وقال الواحدي: قوله: { كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ } متصل [في النظم] بقوله: { قَالَ قَدْ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَّعَهُمْ شَهِيداً } ، كأن لم تكن بينكم وبينه مَودَّة.

قال ابن الأنباري: المعنى: كأن لم يعاقدكم على الإسلام، ولم يبايعكم على الصبر والثبات فيه، بما ساء وسرّ.

قرأ ابن كثير وحفص: " كأن لم تكن " بالتاء؛ لتأنيث المَودَّة. وقرأ الباقون: بالياء؛ للفصل، أو لأن المودَّة بمعنى الوُدّ، أو لأن التأنيث غير حقيقي.

{ فَأَفُوزَ } جواب التمني بالفاء.

وقرئ شاذاً: " فأفوزُ " بالرفع، على معنى: فأنا أفوز.

تمنوا ذلك ميلاً إلى المال، لا رغبة في المآل.

قوله تعالى: { فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يَشْرُونَ } أي: يبيعون { ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلآخِرَةِ } ، كقول ابن مُفَرِّغ الحميري:
وَشَرَيْتُ بُرْداً لَيْتَنِي   مِنْ بَعْدِ بُرْدٍ كُنْتُ هَامَهْ
قوله: { فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ } خارج مخرج الغالب، إذ كل مجاهد في سبيل الله وإعلاء كلمة الله، له أجر عظيم وإن لم يُقتل ولم يغلب.