الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ ٱقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ أَوِ ٱخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُمْ مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً } * { وَإِذاً لأَتَيْنَٰهُم مِّن لَّدُنَّـآ أَجْراً عَظِيماً } * { وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } * { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقاً } * { ذٰلِكَ ٱلْفَضْلُ مِنَ ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ عَلِيماً }

قوله: { وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ } أي: فرضنا عليهم، { أَنِ ٱقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ } كما فرضنا على بني إسرائيل، { أَوِ ٱخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُمْ } كما فرضنا عليهم الخروج من مصر، أو كما فرضنا على المهاجرين.

{ مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ } وقرأ ابن عامر: " قليلاً " ، وكذلك هو في مصاحف أهل الشام.

فمَن رَفَعَ؛ فعلى البدل من الواو في " فَعَلُوهُ ".

ومَن نَصَبَ؛ فعلى الاستثناء، وفيه ضعف، أو على معنى: ما فعلوه إلا فعلاً قليلاً.

ولما نزلت هذه الآية قال عمر بن الخطاب: والله لو أمرنا ربنا بذلك لفعلنا، والحمد لله الذي لم يفعل بنا ذلك.

وقال ثابت بن قيس: أما والله إنَّ الله ليعلم مني الصدق، والله لو كتب الله علينا ذلك لفعلنا، ولو أمرني محمد أن أقتل نفسي لقتلتها.

وقال ابن مسعود وعمار بن ياسر مثل ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده إن من أُمَّتي رجالاً، الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي ".

{ وَلَوْ أَنَّهُمْ } يعني: المنافقين الذين يزعمون أنهم آمنوا، وهم في غضون ذلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت { فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ } أي: يُذَكَّرون به من طاعة الله وطاعة رسوله { لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } في الحال والمآل، { وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً } في إيمانهم وأمانهم.

{ وَإِذاً لأَتَيْنَٰهُم } دخلت " إذاً " لتدل على الجزاء، كأنه قيل: ولو أنهم فعلوا إذاً لفعل بهم.

قوله: { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ } قال ابن عباس: كان ثوبانُ مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم شديدَ المحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرف النبي في وجه ثوبان الحزن يوماً، فقال: يا ثوبان؛ ما غيرَّ وجهك؟ فقال: يا رسول الله؛ ما بي من وجع، غير أني إذا لم أَرَكَ اشتقت إليك، فأذكر الآخرة، فأخاف أن لا أراك، فنزلت هذه الآية.

وقال الشعبي: جاء رجل من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله؛ والله الذي لا إله إلا هو، لأنت أحب إليّ من نفسي، وأهلي، ومالي، وولدي، وإني لأذكرك وأنا في أهلي، فيأخذني مثل الجنون حتى أراك، وذكرت موتي، وأنك تُرفع مع النبيين، وإني إن دخلت الجنة كنت في منزلة أدنى من منزلتك، فأنزل الله هذه الآية.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من نفسه، وأبويه، وأهله، وولده، والناس أجمعين ".

{ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ } كمحمد صلى الله عليه وسلم، { وَٱلصِّدِّيقِينَ } كأبي بكر، { وَٱلشُّهَدَآءِ } كعمر، وعثمان، وعليّ، { وَٱلصَّالِحِينَ } من الصحابة وغيرهم.

فالصِّدِّيق: الكثير الصِّدق، ومثله: سِكِّيت، وسِكِّير، وشِرِّيب، وفِسِّيق، وضِلِّيل، وظِلِّيم، للذي يكثر منه ذلك، ولا يُطلق على مَن فعل شيئاً من ذلك مرة أو مرتين.

السابقالتالي
2