الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَٱسْتَغْفَرُواْ ٱللَّهَ وَٱسْتَغْفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً } * { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً }

قوله تعالى: { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } دخلت «مِن» هاهنا للتوكيد، والمعنى: وما أرسلنا رسولاً قط إلا ليُطاع بتوفيق الله.

وقال الزجاج: المعنى: إلا ليطاع بأن الله أذن له في ذلك.

{ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ } بإيذائك والتحاكم إلى غيرك خوفاً من تجريعهم مُرّ الحق، وطمعاً في تحريفه على يد الطاغوت بما يبذلونه له من الرشوة، { جَآءُوكَ } تائبين نادمين، { فَٱسْتَغْفَرُواْ ٱللَّهَ } بألسنة صادقة، وقلوب صافية من كدر النفاق.

ثم عَدَلَ عن المخاطبة إلى المغايبة، مُنوِّهاً باسم الرسالة، مُفخِّماً لشأن القائم بأعبائها، الناهض بأثقالها، فقال: { وَٱسْتَغْفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً }.

وقد روى الإمام أبو الفرج ابن الجوزي رضي الله عنه في مواضع من كتبه بإسناده عن محمد بن حرب الهلالي، قال: دخلت المدينة، فأتيت قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي فَزارَهُ، ثم قال: يا خير الرسل! إن الله عز وجل أنزل عليك كتاباً صادقاً، قال فيه: { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَٱسْتَغْفَرُواْ ٱللَّهَ وَٱسْتَغْفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً } ، وإني جئتك مستغفراً إلى ربك من ذنوبي، مستشفعاً بك، ثم بكى وأنشأ يقول:
يَا خَيْرَ مَنْ دُفِنَتْ بالقَاعِ أَعْظُمُهُ   طَابَ مِنْ طِيبهِنَّ القَاعُ وَالأَكُمُ
نَفْسِي الفِدَاءُ لِقَبْرٍ أَنْتَ سَاكِنُهُ   فيهِ العَفَافُ وَفيهِ الجُودُ وَالكَرَمُ
ثم استغفر [الله] وانصرف، فرقدت، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في نومي وهو يقول: الحَق الرَّجُل فبشِّره أن الله تعالى قد غَفَرَ له بشفاعتي.

قوله تعالى: { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ }.

أخبرنا الشيخ أبو القاسم ابن عبد الرزاق العطار، قراءة عليه وأنا أسمع، في سنة ست وستمائة، والشيخ أبو الحسن علي بن أبي بكر الصوفي بقراءتي عليه، قالا: أخبرنا عبد الأول بن عيسى، أخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد بن مظفر، أخبرنا عبد الله بن أحمد بن أعين، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا محمد بن جعفر، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عروة، قال: " خَاصَمَ الزُّبَيْرُ رَجُلاً مِن الأَنْصَارِ في شِراجٍ مِن الحَرَّةِ، فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: اسْقِ يَا زُبَيْرُ، ثمَّ أَرْسِلْ المَاءَ إِلَى جَارِكَ، فَقَالَ الأَنصَارِيُّ: يَا رَسُولَ الله، أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ؟ فَتَلَوَّنَ وَجْههُ صلى الله عليه وسلم، ثمَّ قَالَ: اسْقِ يَا زُبَيْرُ، ثمَّ احْبس المَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الجَدْرِ، ثمَّ أَرْسِلْ إِلَى جَارِكَ، فاسْتَوْعَى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لِلزُّبَيْرِ حَقَّهُ في صَرِيحِ الحُكْمِ حِينَ أَحْفَظَهُ الأَنصَارِيُّ، وكَانَ أَشَارَ عَلَيْهِمَا بأَمْرٍ لَهُمَا فيهِ سَعَةٌ. قَالَ الزُّبَيْرُ: فَمَا أَحْسِبُ هَذِهِ الآيَاتِ إلا نَزَلَتْ في ذلِكَ { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } "

السابقالتالي
2