الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَٰتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً لَّهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاًّ ظَلِيلاً }

قوله تعالى: { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا } قال الحسن: بلغنا أنها تأكلهم كل يوم سبعين ألف مرة، تأكل جلودهم ولحومهم، كلّما أكلتهم قيل لهم: عودوا، فعادوا.

واختلفوا هل تعود الجلود التي احترقت بأعيانها؟

فذهب قوم: إلى أنها تعود بأعيانها، كما أُعيدت يوم النشور، فتكون الغيرية عائدة إلى الصفات، لا إلى الذوات، كما تقول: صغت من خاتمي خاتماً آخر.

والمعنى: بدّلناهم جلوداً غير محترقة.

قال ابن عباس: يُبدَّلون جلوداً بيضاً كالقراطيس.

وذهب قوم: إلى أنهم يُجدَّد لهم جلود غير الجلود التي احترقت. قالوا: لا يلزم عليه أن يقال: كيف عُذِّبت مكان الجلود العاصية، جلود لم تعصي؛ لأن النعيم والعذاب إنما هو للجملة الحساسة، والجسد آلة موصلة لذلك إليها.

{ لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ } أي: ليدوم لهم ذوقه.

وفي مسند الإمام أحمد من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " يَعْظُمُ أَهْلُ النَّارِ [في النَّارِ]، حَتَّى إِنَّ بَيْنَ شَحْمَةِ أُذنِ أَحَدِهِمْ إلى عَاتِقِهِ مَسِيرَةَ سَبْعمائَةِ عَامٍ، وَإِنَّ غِلَظَ جِلْدِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعاً، وَإِنَّ ضِرْسَهُ مِثْلُ أُحُدٍ ".

وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ضِرْسُ الكَافِرِ مِثْلُ أُحُدٍ، وَغِلَظُ جِلْدِهِ مَسِيرَةُ ثَلاث ".

{ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزاً } لا يمتنع عليه الانتقام ممن عصاه، { حَكِيماً } فيما قدَّره وقضاه.

ثم ذكر الله مآل أهل الإيمان، وما أعد لهم في الجنان فقال: { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ... } - إلى قوله -: { ظِـلاًّ ظَلِيلاً } أي: دائماً، لا تنسخه الشمس، ومعتدلاً، لا حَرَّ فيه ولا قَرّ.

وقال الزجاج: الظَّليل: الذي يظلّهم من الحر والريح، وليس كل ظل كذلك، فأعلم الله أن ظل الجنة ظليل لا حَرَّ معه ولا بَرْد.

فإن قيل: كيف سَمَّاه ظِلاً، وليس في الجنة شمس؟

قلت: نعيم الجنة لا تهتدي العقول إلى كُنْه معرفته.

قال صلى الله عليه وسلم: " فيها مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلا أُذنٌ سَمِعَتْ، وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْب بَشَرٍ ".

وإنما يقرب إلى العقول عند الوصف للتعريف بذكر أمثاله في أسمائه مما يعرف كون مثله نعيماً في الدنيا مع فرط التفاوت، واختلاف الذوات والحقائق بين نعيم الدارين.

وقيل: خاطبهم بما يعقلون مثله؛ كقوله:وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً } [مريم: 62].

وقيل: هو إشارة إلى كمال وصفها وتمكين بنائها، فلو كان الحرّ، أو البرد يتسلط عليها لكان في أبنيتها وشجرها ظل ظليل.