الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ ٱللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } * { ٱنظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلكَذِبَ وَكَفَىٰ بِهِ إِثْماً مُّبِيناً } * { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَٰبِ يُؤْمِنُونَ بِٱلْجِبْتِ وَٱلطَّٰغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَٰؤُلاءِ أَهْدَىٰ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً }

قوله: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ } قال ابن عباس: نزلت في رجال من اليهود أتوا بأطفالهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد؛ هل على هؤلاء من ذنب؟ فقال: لا، فقالوا: والله ما نحن إلا كهيئتهم، وما عملناه بالنهار كُفِّر عنا بالليل، وما عملناه بالليل كُفِّر عنا بالنهار، فنزلت هذه الآية. وقال غيره: كانت اليهود والنصارى يثنون على أنفسهم ويقولون: نحن أبناء الله وأحباؤه، ولن يدخل الجنة إلا مَن كان هوداً أو نصارى، ويُمنّون بأنهم أهل الكتاب وأوعية العلم، وأولاد الأنبياء، وورَّاث الحكمة إلى غير ذلك من الأماني الكاذبة، والخدع، ويَركبون رؤوسهم في الجهل، والاجتراء على أنبياء الله وأوليائه، فيكذبون فريقاً ويقتلون فريقاً، فردّ الله عليهم وكذَّبهم فقال: { بَلِ ٱللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ } ، فيجعله زاكياً، مرضياً، مطهراً من دنس الإثم والرذائل.

قال ابن عباس: هم أهل التوحيد.

{ وَلاَ يُظْلَمُونَ } يعني: لا ينقص من ثواب أعمالهم.

{ فَتِيلاً } قال مجاهد وعطاء، وجمهور المفسِّرين، وابن قتيبة، والزجَّاج: الفتيل: ما في شق النواة.

وقال سعيد بن جبير والسدي: هو ما يخرج من بين الأصابع من الوسخ عند الدَّلْك. والقولان عن ابن عباس.

قال ابن السكِّيت: القِطْميرُ: القشرة الرقيقة على النواة. والفَتيل: ما في شق النواة. والنَّقير: النكتة في ظهر النواة.

قال الأزهري: هذه الأشياء كلها تُضرب أمثالاً للشيء التافه، الحقير القدر، أي: لا يُظلمون قدرها.

قال النابغة:
يَجْمَعُ الجَيْشَ ذا الألُوف وَيَغْزُو    ثمَّ لا يَرْزَأُ العَدُوَّ فَتِيلا
{ ٱنظُرْ } يا محمد، { كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلكَذِبَ } وهو قولهم: نحن أبناء الله وأحباؤه، وقولهم: لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى، وقولهم: لا ذنوب لنا.

{ وَكَفَىٰ بِهِ } أي: حسبهم بافترائهم على الله الكذب { إِثْماً مُّبِيناً } أي: ظاهراً.

قوله تعالى: { يُؤْمِنُونَ بِٱلْجِبْتِ وَٱلطَّٰغُوتِ } قال المفسِّرون: خرج كعب بن الأشرف، وحيي بن أخطب في جماعة من اليهود إلى مكة يحالفون قريشاً على محاربة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: أنتم أقرب إلى محمد منا، وأنتم وهو من أهل الكتاب، ونحن أُمِّيون، فلا نأمن مكركم بنا، فاسجدوا لصنمنا حتى نطمئن إليكم، فسجدوا، فعيّرهم الله بذلك.

قال ابن عباس: قالت لهم كفار قريش: أدين محمد خير، أم ديننا؟ فقالوا: بل دينكم.

قال أهلُ اللغة: كلُّ ما عُبد من دون الله من حجر، أو صورة، أو شيطان، فهو جِبْت وطاغوت.

فعلى هذا إيمان اليهود بالجِبْت والطاغوت، سجودهم للصنم وطاعتهم للشيطان في ذلك.

قال ابن عباس: الجِبْت: الأصنام.

قال عمر بن الخطاب: الطاغوت: الشيطان.

{ وَيَقُولُونَ } يعني: كعب بن الأشرف، وحيي بن أخطب، وأصحابهما، { لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَٰؤُلاءِ } يعنون: كفار قريش { أَهْدَىٰ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } يعني: أصحاب محمد { سَبِيلاً } أي: طريقاً في الديانة والاعتقاد، وكان كفار قريش قالوا لهم: أنحن أهدى طريقاً أم محمد وأصحابه؟ فقالوا: أنتم.

{ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ } يعني: الذين أُوتوا نصيباً من الكتاب.