الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَٰبِ يَشْتَرُونَ ٱلضَّلَٰلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ ٱلسَّبِيلَ } * { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَلِيّاً وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ نَصِيراً } * { مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَٱسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَٰعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي ٱلدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَٱسْمَعْ وَٱنْظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ ءَامِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَآ أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّآ أَصْحَٰبَ ٱلسَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً } * { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفْتَرَىٰ إِثْماً عَظِيماً }

قوله: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَٰبِ } قال قتادة: هم اليهود.

والنصيبُ الذي أوتوه: علمُهم بما في كتابهم من نعت النبي صلى الله عليه وسلم وغيره.

{ يَشْتَرُونَ ٱلضَّلَٰلَةَ } يؤثرونها، ويرفضون ما كانوا عليه من الهدى والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه.

قال الزجَّاج: يؤثرون التكذيب بالنبي عليه السلام، ليأخذوا على ذلك الرُّشا.

{ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ ٱلسَّبِيلَ } أي: أن تخطئوا أيها المؤمنون طريق الهدى.

قوله تعالى: { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ } أي هو أعرف بهم منكم، فهو يُطلعكم عليهم، فجانبوهم، ولا تناصحوهم، ولا تصاحبوهم، { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَلِيّاً وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ نَصِيراً } فثقوا بولايته، ونصره لكم.

قوله تعالى: { مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ } قال الزجّاج: " مِن " صلة " الذين أوتوا الكتاب " ، فيكون المعنى: ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب من الذين هادوا. أو جملة مستأنفة، المعنى: من الذين هادوا قوم يُحرِّفون، فيكون قوله: " يُحرِّفون " صفة، ويكون الموصوف محذوفاً. وأنشد سيبويه:
وَمَا الدَّهْرُ إلا تَارَتَانِ، فَمِنْهُمَا    أَمُوتُ وَأُخْرى أَبْتَغِي العَيْشَ أَكْدَحُ
المعنى: فمنهما تارة أموت فيها.

وقال صاحب الكشاف هذا المعنى فأجاد، وزاد: " من الذين هادوا " بيانٌ للذين أوتوا نصيباً من الكتاب.

قوله: { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ } " وكفى بالله " جمل توسطت بين البيان والمبين على سبيل [الاعتراض]، أو بيان لـ " أعدائكم " ، وما بينهما اعتراض، أو صلة لـ " نصيراً " ، أي: ينصركم من الذين هادوا، كقوله:وَنَصَرْنَاهُ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } [الأنبياء: 77]. ويجوز أن يكون كلاماً مبتدأ، على أنّ " يُحرِّفون " صفة مبتدأ محذوف تقديره: من الذين هادوا قوم يُحرِّفون، كقوله: - وأنشد البيت -:
وَمَا الدَّهْرُ..............     .....................
ومعنى: { يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ } يميلونه ويزيلونه عنها؛ كما كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: راعنا، والسَّام عليك، وما حرّفوه أيضاً من التوراة، وغيَّروه من صفة النبي صلى الله عليه وسلم.

{ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا } أي: سمعنا قولك وعصينا أمرك، وكانوا يجاهرون بالكفر، ويُعَرِّضون بالسبّ، فلذلك صرَّحوا بالعصيان ولوَّحوا بالسب في قولهم: { وَٱسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَٰعِنَا } ، فقوله: " غير مسمع " حال من المخاطب.

قال ابن عباس: معناه: لا سمعت. كأنهم قالوا: اسمع منا مَدْعُوّاً عليك بالصُّمّ.

وقال الحسن: المعنى: اسمع غير مقبول منك.

فهذا مقصودهم، وباطن كلامهم، وظاهره: اسمع غير مُسمَع مكروهاً، فهو كلام ذو وجهين.

وقيل: كانوا يقولون بألسنتهم: اسمع، وفي نفوسهم: لا سمعت. وهذا القول يأباه قوله: " لياً بألسنتهم " ، وقولهم: " راعنا " ، ودلالة الحال.

وقد سبق في البقرة الكلام على " رَاعِنا ".

قوله: { لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ } مصدر، أصله: لَوْياً، فأدغمت الواو في الياء.

السابقالتالي
2 3