الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُواْ وَإِنْ كُنْتُمْ مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّن ٱلْغَآئِطِ أَوْ لَٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً }

قوله: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ } أخرج أبو داود في سننه، والترمذي في جامعه - واللفظ له - بإسنادهما عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: " صَنَعَ لَنَا ابْنُ عَوْفٍ طَعَاماً، فَدَعَانَا، فأكلنا وَسَقَانَا خمراً، قبل أن تُحَرَّم الخمر، فأخذت مِنَّا، وَحَضَرَتْ الصَّلاةُ، فَقَدَّمُونِي، فَقَرَأْتُ: " { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ * لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } [الكافرون: 1-2]، وَنَحْنُ نَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ " ، قَالَ: فخلطتُ، فنزلت: { لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ } ".

والمراد من الآية: زجرهم عن الشرب في الأوقات القريبة من الصلوات، ثم نسخ ذلك بما ذكرناه في البقرة.

وقيل: { لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ } أي: مواضع الصلاة، وهي المساجد، كأنه نزَّه المساجد من السكارى، لأنه لا يؤمن تلويثهم للمساجد، كما قال عليه السلام: " جَنِّبوا مساجدكم الصبيان والمجانين ".

وقيل: " لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى " من النعاس، فإنكم لا تعقلون ما تُصلُّون.

قال بعض أرباب الإشارات: " وأنتم سكارى " من حب الدنيا.

قال يحيى بن معاذ الرازي: الدنيا خمر الشيطان، مَن سَكِرَ منها لا يُفيق إلا في عسكر الموتى.

وكلُّ هذا محتمل، غير أن التفسيرَ الذي يُعتمد عليه ما اقتضاه سبب النزول، وهو السُّكْر المعروف، وهو المتبادر إلى الأفهام عند الإطلاق.

والسّكارى جمع سكران: وهو الذي سُدَّ عليه طريق الإدراك، ومتى بلغ إلى هذه الحالة، كان بيعه وشراؤه ملغي، وأُخذ بالقتل وسائر الاستهلاكات، وفي وقوع طلاقه وعتاقه اختلاف بين الصحابة، والأئمة الأربعة. { وَلاَ جُنُباً } قال الزمخشري: هو عطف على قوله: " وأنتم سكارى "؛ لأن محل الجملة مع الواو النصب على الحال، كأنه قيل: لا تقربوا الصلاة سكارى ولا جُنُباً.

والجُنُب يستوي فيه الواحد والجمع، والمذكر والمؤنث؛ لأنه اسم جرى مجرى المصدر الذي هو الإجناب.

{ إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ } استثناء من عامة أحوال المخاطبين، وانتصابه على الحال.

فإن قلت: كيف جمع بين هذه الحال والحال التي قبلها؟ قلت: كأنه قيل: لا تقربوا الصلاة في حال الجنابة إلا ومعكم حال أخرى تُعذرون فيها، وهي حال السفر، وعبور السبيل عبارة عنه.

ويجوز أن لا يكون حالاً، ولكن صفة لقوله: " جُنُباً " ، أي: ولا تقربوا الصلاة جُنُباً غير عابري سبيل، أي: جُنُباً مقيمين غير معذورين. قال: فإن قلت: كيف تصح صلاتهم على الجنابة لعذر السفر؟.

قلت: أريد بالجُنُب الذين لم يغتسلوا، كأنه قيل: لا تقربوا الصلاة غير مغتسلين حتى تغتسلوا، إلا أن تكونوا مسافرين.

وقال: مَنْ فسَّر الصلاة بالمسجد: معناه: لا تقربوا المسجد جُنُباً إلا مجتازين فيه.

السابقالتالي
2 3