الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً } * { وَٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَـآءَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَن يَكُنِ ٱلشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَآءَ قِرِيناً } * { وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ وَكَانَ ٱللَّهُ بِهِم عَلِيماً }

قوله: { ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ } " الذين " نصب على الذم، أو على البدل من قوله: " مَنْ كان مختالاً " ، أو رفع بالابتداء، والخبر محذوف، تقديره: الذين يبخلون ملومون أو مُعذَّبون، أو على معنى: هم الذين يبخلون.

قال المفسِّرون: نزلت في اليهود.

وفي الذي بخلوا به قولان:

أحدهما: أنه التصديقُ بمحمد صلى الله عليه وسلم وإظهارُ صفته للناس حسداً، وبغياً، وتكبراً، ونفاسة عليه، حيث لم يكن منهم.

قال ابن السائب: بخلوا أن يصدِّقوه، فكتموه، وأمروا قومهم بكتمان أمره.

وبهذا الاعتبار يصح النصب على البدل.

والقول الثاني: أنهم بخلوا بالأموال، وأمروا الناس أن يبخلوا بها.

قال ابن عباس: كان كردم بن زيد، ورفاعة بن زيد بن التابوت، ونافع بن أبي نافع، وحيي بن أخطب، في آخرين يأتون رجالاً من الأنصار من أصحاب رسول الله، وكانوا يخالطونهم ، وينتصحون لهم ، فيقولون: لا تُنفقوا أموالكم، فإنا نخشى عليكم الفقر، ولا تسارعوا فإنكم لا تدرون ما يكون، فنزلت هذه الآية.

قرأ حمزة والكسائي: " بالبَخَل " بفتح الباء والخاء، هنا وفي الحديد. وقرأ الباقون: بضم الباء وسكون الخاء فيهما، وهما لغتان كالرُشْد والرَشَد.

{ وَيَكْتُمُونَ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } قال ابن عباس والأكثرون: يريد: العلم بما في التوراة مما عظَّم الله به أمر محمد صلى الله عليه وسلم وأُمَّته.

وإن قلنا: المراد به البخل بالأموال، فالأَليق أن يكون المعنى هاهنا: { وَيَكْتُمُونَ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } أي: يُخفون نِعَم الله عليهم على ما هو المتعاهد من عادة البخلاء.

وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا أنعم الله على عبده نعمة، أحب أن تُرى ".

ويروى: أن بعض عُمَّال الرشيد بنى قصراً إلى جانب قصره، فنُمَّ به إليه فقال: يا أمير المؤمنين! إن الكريم يَسُرُّه أن يرى أثر نعمته، فأحببتُ أن أَسُرَّكَ بالنظر إلى آثار نعمتك، فأعجبه كلامه.

وقال بعضهم: الشكرُ بإظهار حسن الحال أبلغُ من الشكر بالمقال.

ويروى: أن جعفر بن يحيى البرمكي - رحمهما الله - ركب لحاجة، وكان طريقه على بيت الأصمعي، فدفع إلى غلام له كيساً فيه ألف دينار، وقال: إني سأنزل في رجعتي إلى الأصمعي، ثم سيحدثني، ويُضحكني، فإذا ضحكت، فضع الكيس بين يديه، فلما دخل جعفر على الأصمعي، رأى عنده حُبّاً مكسور الرأس، وجَرّةً مُلتوية العنق، وقَصْعة مشعَّبة، ورآه على مُصلّى بالٍ وعليه بَرّكان أجرد، فغمز غلامه أن لا يضع الكيس بين يديه، فلم يدع الأصمعي شيئاً مما يضحك الثكلان إلا أورده عليه، فما تَبَسَّم، وخرج، فقال لرجل يسايره: مَن استرعى الذئب ظلم، ومَن زرع سبخة حصد الفقر، إني والله لو علمتُ أن هذا يكتم المعروف بالفعل لما حفلتُ بنشره باللسان، وأين يقع مديح اللسان من آثار العيان، إن اللسان قد يكذب، والحال لا يكذب، لله در نُصَيْب حيث يقول:

السابقالتالي
2