الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ فَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ وَٱلَّٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِي ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً } * { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَٱبْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَآ إِن يُرِيدَآ إِصْلَٰحاً يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيْنَهُمَآ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً }

قوله: { ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ } نزلت حين لَطَمَ سعد بن الربيع زوجته، فذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تطلب القِصاص.

والمعنى: الرجالُ قائمون، مسيطرون، ومُسلَّطون على تأديب النساء وتهذيبهن بالحق.

روى هشام بن محمد عن أبيه في قوله: { ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ } قال: إذا كانوا رجالاً.

وأنشد:
أَكُلَّ امْرِئٍ تَحْسَبينَ امْرَءاً     وَنَارٍ تُوَقَّدُ باللَّيْلِ نَارَا
قوله: { بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ } أي: بسبب تفضيل الله { بَعْضَهُمْ } يعني: الرجال { عَلَىٰ بَعْضٍ } يعني: النساء، وذلك بزيادة العقل، والعلم، والفضل، والحزم، والجهاد، وحفظ الذمار، والصلاحية للخلافة، والقضاء، والإمامة، والشهادة.

{ وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ } أي: بما أخرجوا من المهور والنفقات، { فَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ } مطيعات لله، { حَٰفِظَٰتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ } يعني: ما غاب عنه الأزواج من الفروج والأموال. وفي الحديث: " خيرُ النساء امرأة إن نَظَرْتَ إليها سَرَّتْكَ، وإن أَمَرْتَها أَطَاعَتْكَ، وإذا غِبْتَ عنها حَفِظَتْكَ ".

{ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ } أي: بحفظ الله إياهن حين أوصى الأزواج بهن في كتابه وعلى لسان رسوله، أو بما حفظ الله مهورهن.

وقرأت على الشيخين أبي البقاء النحوي وأبي عمرو الياسري لأبي جعفر ابن القعقاع: " بما حفظ اللهَ " بالنصب، على أن " ما " موصولة، أي: حافظات للغيب بالأمر الذي يحفظ حق الله، وأمانة الله، وهو التعفف، والتحصن، والنصيحة للرجال.

قوله: { وَٱلَّٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ } قال ابن عباس: الخوف هاهنا بمعنى العلم، وقيل: بمعنى الظن.

والنُّشُوز والنُّشُوص بمعنى واحد، وهو: تَرَفُّعُ المرأة عن طاعة زوجها، مأخوذ من النَّشْزُ؛ وهو ما ارتفع من الأرض. { فَعِظُوهُنَّ } أي: ذكِّروهن بما وجب عليهن لأزواجهن.

{ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِي ٱلْمَضَاجِعِ } أي: في الفُرُش، وقيل: في البيوت.

فإن قلنا: في الفُرُش، فيكون كناية عن ترك الجِماع، وهو قول سعيد بن جبير ومقاتل.

أو يكون أمراً بهجر الفراش والمضاجعة فيه، وهو قول الحسن ومجاهد وقتادة. وهذان قولان عن ابن عباس.

وإن قلنا: في البيوت، فالمعنى: لا تُبايتوهن في البيوت التي يضطجعن فيها.

وقيل: " في " للسببية لا للظرفية، فالمعنى: اهجروهن بسبب تخلفهن عن المضاجع إذا دعوتموهن إليها.

والأول أشهر وأظهر.

قال ابن عباس: تهجرها في المضجع، فإن أقبلتْ وإلا فقد أذن الله لك أن تضربها ضرباً غير مُبَرِّح.

قوله: { وَٱضْرِبُوهُنَّ } يعني: ضرباً غير شائن، ولا كاسر، ولا مُبَرِّح، لأن المقصود التأديب، لا الإتلاف والتعذيب.

قال جماعة من العلماء، منهم الإمام أحمد رضي الله عنه: الآية على الترتيب، فالوعظ عند خوف النشوز، والهجر عند ظهور النشوز، والضرب عند تكرره واللِّجاج فيه، ولا يجوز الضرب عند ابتداء النشوز.

وقال الشافعي رضي الله عنه: يجوز.

{ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً } قال ابن عباس: لا تتجنّوا عليهن العلل.

السابقالتالي
2