قوله تعالى: { وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَٰلِيَ مِمَّا تَرَكَ... } الآية قال صاحب الكشاف: " مما ترك " تبيين لـ " كل " ، أي: ولكل شيء مما ترك الوالدان والأقربون من المال، " جعلنا موالي ": وُرَّاثاً يلونه ويحرزونه. أو لكل قوم جعلناهم موالي نصيب مما ترك الوالدان والأقربون، على أنَّ " جعلنا موالي " صفة لـ " كل " ، والضمير الراجع إلى " كل " محذوف، والكلام مبتدأ وخبر، كما تقول: لكل مَن خلقه الله إنساناً من رزق الله، أي: حظ من رزق الله. أو ولكل أحد جعلنا موالي مما ترك، أي: وُرَّاثاً مما ترك، على أن " من " صلة " موالي " ، لأنهم في معنى الوُرَّاث، وفي " ترك " ضمير " كل " ، ثم فسَّر الموالي بقوله: " الوالدان والأقربون " ، كأنه قيل: مَنْ هم؟ فقيل: الوالدان والأقربون. قلت: فعلى الوجهين الأوّلين ارتفع " الوالدان " بإسناد الفعل إليه، و " الوالدان " هم الموروثون. وعلى الوجه الثالث: ارتفع على معنى: هم الوالدان، كما ذكر، وهم الوُرَّاث. { وَٱلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَٰنُكُمْ } مبتدأ تضمن معنى الشرط، ولذلك وقع في خبره الفاء، ويجوز أن يكون معطوفاً على " الوالدان ". قرأ أهلُ الكوفة: " عَقَدَت " بغير ألف، وقرأ الباقون بالألف. فمَنْ أثبت الألف فلوجود المعاقدة، فهو من باب المفاعلة، ومَنْ نفاها اكتفى بإسناد العقد إلى الأيمان، ولم يحتج إلى المفاعلة، المعنى: والذين عقدت أيمانكم حِلْفَهم. والمراد بهم الحلفاء، وكان الرجل إذا عاقد الرجل قال: دمي دمك، وثأري ثأرك، وحربي حربك، وسلمي سلمك، وترثني وأرثك، وتعقل عني وأعقل عنك، فأقرَّهم الإسلام على ذلك، وجعل ميراث الحليف السُدُس، فإن كان المراد بقوله: { فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ } الميراث، فهو منسوخ عند الأكثرين، وإليه ذهب الأئمة الثلاثة. وقال أبو حنيفة وأصحابه: هذا الحكم باق. غير أنهم جعلوا ذوي الأرحام أولى، بقوله:{ وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ } [الأنفال: 75]. وإن كان المراد به المعاضدة والمناصرة، فحكمه باق لم يُنسخ، لقوله صلى الله عليه وسلم: " لا حِلْفَ في الإِسْلامِ، وَأَيُّمَا حِلْفٍ كَانَ في الجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَزِدْهُ الإِسْلامُ إلا شِدَّة ". وقيل: المراد بقوله: " الذين عقدت أيمانكم " الذين آخى رسول الله بينهم، وهم المهاجرون والأنصار، كانوا يتوارثون بالأُخوة دون ذوي أرحامهم، فنُسخ عند الأكثرين بالآية المذكورة.