الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَٰلَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَٰطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً } * { وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } * { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَـٰتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُّدْخَلاً كَرِيماً }

قوله تعالى: { إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً } قرأ أهل الكوفة: " تجارةً " بالنصب، والباقون: بالرفع، وتعليلهما ما أسلفناه في آية الدَّيْن.

فصل

أخرج أبو داود في سننه بإسناده، عن ابن عباس قال: " كَانَ الرَّجُلُ يَتَحَرَّجُ أَنْ يَأْكُلَ عِنْدَ أَحَدٍ مِن النَّاسِ بَعْدَ مَا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَة: { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَٰلَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَٰطِلِ } فَنُسِخَ ذلِكَ بالآيَة الأخرى الَّتي في النُّورِ: فقَالَ: " لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ " ".

وهذا عند الفقهاء ليس من باب الناسخ والمنسوخ كما قررناه فيما مضى.

قوله: { وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ } قال ابن عباس: لا يقتل بعضكم بعضاً، وهذا مثل قوله:فَتُوبُوۤاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَٱقْتُلُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } [البقرة: 54].

وقيل: هو على ظاهره، نهاهم سبحانه وتعالى أن يقتلوا أنفسهم بطريق المباشرة أو السبب، ويؤيد هذا حديث عمرو بن العاص قال: " احْتَلَمْتُ في لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ في غزوة ذات السلاسل، فَأَشْفَقْتُ إِن اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلَكَ، فَتَيَمَّمْتُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ بأَصْحَابي الصُّبْحِ فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: يَا عَمْرُو! صَلَّيْتَ بأَصْحَابكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، إِنِّي سمعت الله يقول: { وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً } ، فَضَحِكَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَقُلْ شَيْئاً ".

وفي الحديث أحكام، منها: جواز التيمم في البرد في السَّفَر، وعدم وجوب القضاء في الحَضَر، وجواز اقتداء المتوضئ بالمتيمم، وأن التيمم لا يرفع الحدث؛ لقوله: " وأنت جُنُب ".

وقال بعض أهل المعاني: " ولا تقتلوا أنفسكم " بارتكاب المعاصي.

وقال الفضيل بن عياض: لا تغفلوا عن حظِّ أنفسكم، فإن مَن غفل عن حظ نفسه فقد قتلها.

{ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمْ } يا أُمَّة محمد { رَحِيماً } ، حيث حرّم عليكم ما أوجبه على بني إسرائيل من قتل الأنفس، وغيره من الأعمال الشاقة والتكاليف الشديدة.

{ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ } إشارة إلى القتل، أو القتل مع انضمام أكل الأموال بالباطل.

وقال ابن عباس: الإشارة إلى جميع ما نهى عنه من أول السورة إلى هاهنا.

{ عُدْوَاناً وَظُلْماً } مصدران في موضع الحال.

{ فَسَوْفَ نُصْلِيهِ } وقرئ: " نَصْلِيهِ " بفتح النون، وقرئ بالتشديد.

{ نَاراً } يريد: ناراً مخصوصة شديدة العذاب.

{ وَكَانَ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } هيّناً.

قوله تعالى: { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَـٰتِكُمْ }.

أخرجا في الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبقَاتِ، قالوا: يَا رَسُولَ الله! وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بالله، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حَرَّمَ الله إِلاَّ بالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذفُ المُحْصِنَاتِ الغَافِلات ".


السابقالتالي
2 3