الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً } * { يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ ٱلإِنسَانُ ضَعِيفاً }

قوله تعالى: { يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ } قال الزمخشري: أصله: أن يُبين، فزيدت اللام للتوكيد، كما زيدت في " [لا] أبا لك " لتأكيد إضافة الأب.

وقال الزجاج: قال الكوفيون: معنى اللام هاهنا معنى " أَنْ " ، وهذا غلط أن تكون لام الخفض تقوم مقام " أَنْ " وتؤدي معناها، لأن ما كان في معنى " أن " إذا دخلت عليه اللام تقول: جئتك كي تفعل كذا وكذا، وجئتك لكي تفعل كذا وكذا، فاللام في قوله: " يريد الله ليبين لكم " كاللام في: " كَيْ ".

أنشد محمد بن يزيد:
أَرَدْتُ لِكَيْما يَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّها    سَرَاوِيلُ قَيْسٍ وَالوُفُودُ شُهودُ
فأدخل هذه اللام على " كي " ، ولو كانت بمعنى " أَنْ " لم يدخل اللام عليها.

والمعنى: يريد الله ليبين لكم شرائع دينكم، ومصالح دنياكم.

{ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } من الأنبياء والأولياء، لتهتدوا بأنوارهم، وتقتدوا بآثارهم، { وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ } أي: يرشدكم إلى ما يكون سبباً لتوبتكم من أعمال الطاعات، ويُرجعكم عما كنتم فيه قبل هذا من السيئات.

{ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } بما يصلحكم، { حَكِيمٌ } في تدبيره فيكم.

{ وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ } أي: أن تفعلوا فعلاً يتوب به عليكم، ويُكفِّر عنكم تلك الآثام والفواحش.

{ وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوَاتِ } وهم الكَفَرة والفَجَرة، { أَن تَمِيلُواْ } عن الحق الذي جاءكم به نبي الرحمة، { مَيْلاً عَظِيماً } فالمجوس يدعونكم إلى ما يستحلونه من نكاح ذوات المحارم، ويجادلونكم في ذلك، واليهود والنصارى يدعونكم إلى ضلالهم، وأهل الفجور إلى شهواتهم.

{ يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ } أي: يُيَسِّرَ عليكم، فلذلك أرسل إليكم محمداً بالحنيفية السهلة السمحة، وأباح لكم نكاح الإماء عند عدم الطَوْل إلى الحرائر من النساء.

{ وَخُلِقَ ٱلإِنسَانُ ضَعِيفاً } قال ابن عباس وجمهور المفسِّرين: لا يصبر عن النساء، وعلى مشاق الطاعات.

قال سعيد بن المسيب: ما أيس الشيطان من بني آدم إلا أتاهم من قِبَل النساء، فقد أتى عليَّ ثمانون سنة، وذهبت إحدى عَينيّ، وأنا أعشو بالأخرى، وإنَّ أخوفَ ما أخاف عليّ فتنة النساء.

وقال معاذ بن جبل: أخوف ما أخاف عليكم فتنة النساء إذا تسوَّرن الذهب، ولَبسْنَ رياط الشام، وعصب اليمن، فأتعبن الغني، وكلَّفن الفقير ما لا يجد.

وفي الصحيحين من حديث أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " مَا تَرَكْتُ في النَّاسِ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاء ".

وقال الحسن في قوله: { وَخُلِقَ ٱلإِنسَانُ ضَعِيفاً } قال: هو خَلْقُهُ من مَاءٍ مهين.

وقال الزجاج: ضعيف العزم عن قهر الهوى.