الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَٰتِ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُم مِّن فَتَيَٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَٰنِكُمْ بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ مُحْصَنَٰتٍ غَيْرَ مُسَٰفِحَٰتٍ وَلاَ مُتَّخِذَٰتِ أَخْدَانٍ فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَٰحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَٰتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ ٱلْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قوله تعالى: { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً } أي: فضلاً وسعة، { أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَٰتِ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ } يريد: الحرائر المؤمنات، { فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُم مِّن فَتَيَٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ } أي: من إمائكم المؤمنات، واحدتهن: فتاة، والعبد: فتى، وقد يُطلق الفتى على الحُرّ أيضاً، فيقال للجارية الشابة: فتاة، وللغلام: فتى، والكامل من الرجال: فتى، وإن لم يكن شاباً.

قال النابغة الجعدي:
فَتىً تَمَّ فيهِ مَا يَسُرُّ صَدِيقَهُ    عَلَى أَنَّ فيهِ مَا يَسُوءُ الأَعَادِيَا
فَتىً كَمُلَتْ أَخْلاقُهُ غَيْرَ أَنَّهُ    جَوادٌ فَمَا يُبْقِي مِنَ المَالِ بَاقِيَا
فصل

ذهب الإمامان أحمد والشافعي إلى أن القادر على طَوْل الحُرّة لا يجوز له نكاح الأَمَة، لما يستلزم من استرقاق الولد تبعاً للأم.

وقال أبو حنيفة: يجوز له ذلك.

فأما العاجز عن طَوْل الحُرَّة فيُباح له نكاح الأَمَة المؤمنة للآية، وهو مذهب الأكثرين.

وقال أبو حنيفة وبعض فقهاء العراق: لا يُشترط كونها مؤمنة، وحملوا الآية على الفضيلة والاستحباب، ألا تراه قال في أول الآية: " المحصنات المؤمنات " ، فوصف الحرائر بالإيمان، وليس بشرط في جواز نكاح الحرائر بالإجماع.

{ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَٰنِكُمْ } أعْلَمَ أنه لما كان نكاح الأَمَة مُقيَّداً بإيمانها إما إيجاباً أو استحباباً على اختلاف المذهبين، وكان مجردُ الاعتراف بالإيمان كافياً في ترتيب الأحكام الدنيوية عليه بالإجماع أشار بقوله: { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَٰنِكُمْ } إلى أن الجزاء على ما أضمره الجَنَان، لا على ما أظهره اللسان.

وفي قوله: { بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ } تأنيس لذوي النفرة عن نكاح الإماء تَشَرُّفاً وتَعَظُّماً عليهن، حيث ذكَّرهم الله ما بينهم من الاشتراك في السبب والاشتباك في النسب.

قال صلى الله عليه وسلم: " كُلُّكُمْ بَنُو آدَمَ طَفُّ الصَّاعِ لَمْ تَمْلَئُوهُ، لَيْسَ لأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ فَضْلٌ إِلا بالتقوى ".

قوله: { فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ } أي: بإذن سادتهنّ، { وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } أي: مُهورهن { بِٱلْمَعْرُوفِ } من غير مماطلة وممانعة.

والأمر بإعطائهن المهور لا ينافي كونها مملوكة لمواليهن، وأضيفت المهور إليهن؛ لأنها من كسبهن.

وقيل: هو على حذف المضاف، تقديره: فآتوا مواليهن أجورهن.

قوله: { مُحْصَنَٰتٍ غَيْرَ مُسَٰفِحَٰتٍ } حالان من الضمير المنصوب في " فَانْكِحُوهُنَّ " على معنى: تزوجوهن عفائف غير زَوانٍ.

{ وَلاَ مُتَّخِذَٰتِ أَخْدَانٍ } وهو جمع خِدْن، وهو الصَّديق، وكانت الواحدة منهن تأخذ لها خَدْناً، تُزانِيهِ سِرّاً، ولا يعتقدونه حراماً، فالمعنى: غير مجاهرات بالزنا، ولا مُسِرّات به.

وقوله: { فَإِذَآ أُحْصِنَّ } أي: زُوِّجن - يعني: الفتيات -.

وقرأ أهل الكوفة إلا حفصاً: " أَحْصَنَّ " ، بفتح الهمزة والصاد.

وقال ابن جرير: أَسْلَمْنَ.

وقيل: أُحْصِنَّ بالتزويج.

{ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَٰحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَٰتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ } أي: نصف ما على الحرائر البالغات العاقلات الأبكار، " من العذاب " وهو الجَلْد؛ لأن القتل لا يتنصف، فيجب على الأَمَة إذا أتت بالفاحشة وهي الزنا؛ خمسون جلدة.

السابقالتالي
2