الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلْمُحْصَنَٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَٰنُكُمْ كِتَٰبَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَٰلِكُمْ مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَٰفِحِينَ فَمَا ٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَٰضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ ٱلْفَرِيضَةِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً }

قوله تعالى: { وَٱلْمُحْصَنَٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَٰنُكُمْ } سبب نزولها: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبى أهل أوطاس، قيل له: يا رسول الله؛ كيف نقع على نساء قد عرفنا أنسابهن وأزواجهن؟ فنزلت هذه الآية، ونادى منادي رسول الله: ألا لا توطأ حامل حتى تضع، ولا حائل حتى تُسْتبرأ بحيضة ".

واتفق القرّاءُ السبعة على فتح الصاد من " المحصَنات " هنا، وكسرها الكسائي فيما عدا هذا الموضع من " المحصنات " و " مُحصِنَات " ، من أَحْصَنَّ أنفسهن بالعفاف، فهن مُحْصِنات. ومَنْ فتح الصاد، أجرى الفعل على ما لم يُسمَّ فاعله، أي: أحصنهن غيرهن من زوج أو ولي. ولذلك فتح الكسائي الصاد هاهنا، لأن الآية نزلت في تحريم ذوات الأزواج.

وأصلُ الإِحْصَان: المَنْع، ومنه: الحِصْن، والحِصان، ويُطلق على ذوات الأزواج، والعَفَائِف، والحرائر، وكل ذلك مذكور في تفسير " المحصَنات " هاهنا.

فإن كان المراد: ذوات الأزواج - وهو الأظهر في التأويل لما ذكرناه من سبب التنزيل - فيكون المعنى: وحُرِّمت عليكم المحصنات إلا ما ملكت أيمانكم من السبايا في الحروب فإنهن بعد الوضع إن كنّ حوامل، أو بعد الاستبراء إن كن حوائل، وإن لم يُطلَّقن لاختلاف الدار، وإلى هذا المعنى نظر الفرزدق في قوله:
وَذاتُ حَلِيلٍ أَنْكَحَتْها رِمَاحُنَا    حَلالٌ لِمَنْ يَبْنِي بها لَمْ تُطَلَّقِ
فإن اشترى أَمَة محصنة بزوج، ففي انقطاع النكاح بذلك اختلافٌ بين الصحابة. والصحيحُ المشهور: أنه لا ينقطع.

وإن كان المراد: العفائف، فالمعنى: هنَّ حرام عليكم إلا ما ملكت أيمانكم منهن بالنكاح أو غيره.

وإن كان المراد: الحرائر، فالمعنى: وحُرِّمت عليكم الحرائر بعد الأربع إلا ما ملكت أيمانكم فإنهن غير محصورات بعدد.

قوله تعالى: { كِتَٰبَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } قال الزجاج: هو مصدر مؤكد، أي: كتب الله عليكم كتاباً.

وقال نحاة الكوفة: هو منصوب على الإغراء بـ " عليكم ". وفيه ضعف؛ لأن ما انتصب بالإغراء لا يتقدم على ما قام مقام الفعل.

قوله: { وَأُحِلَّ لَكُمْ } عطفه على الفعل المضمر الذي نَصَبَ " كتاب الله " تقديره: كتب الله عليكم تحريم ذلك، وأحل لكم.

وقرأ أهل الكوفة إلا أبا بكر: " وأُحِلَّ لكم " بضم الهمزة وكسر الحاء، عطفاً على قوله: " حُرِّمت عليكم ".

{ مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ } أي: ما بعد هذه الأشياء المحرَّمة.

وعمومُ التحليل مخصوص بالسُّنَّة، فإنها حرّمت الجمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها.

{ أَن تَبْتَغُواْ } في موضع نصب، أو رفع على البدل من " ما " على حسب اختلاف القراءتين في " وَأُحِلَّ لَكُمْ ".

{ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَٰلِكُمْ } إما نكاحاً بالصداق، وإما شراءً بالثمن.

السابقالتالي
2