الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَٰتُكُمْ وَبَنَٰتُكُمْ وَأَخَوَٰتُكُمْ وَعَمَّٰتُكُمْ وَخَالَٰتُكُمْ وَبَنَاتُ ٱلأَخِ وَبَنَاتُ ٱلأُخْتِ وَأُمَّهَٰتُكُمُ الَّٰتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَٰعَةِ وَأُمَّهَٰتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ ٱلَّٰتِي فِي حُجُورِكُمْ مِّن نِّسَآئِكُمُ ٱلَّٰتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَٰئِلُ أَبْنَائِكُمُ ٱلَّذِينَ مِنْ أَصْلَٰبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ ٱلأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً }

قوله تعالى: { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَٰتُكُمْ } قال الزجاج: الأصل في أُمَّهَاتٍ: أُمَّاتٌ، ولكن الهاء زيدت مؤكدة، كما زادوا هاء في: أَهْرَقْتُ الماء، وإنما أصله: أَرَقْتُ.

وقيل: الأصل في أُمّ: أُمَّهَة. قال قصي بن كلاب:
........................     أُمَّهَتِي خِنْدِفُ وَإِليَاسُ أَبي
والمراد: تحريم نكاحهن، لأنه المتبادر إلى الأفهام عند الإطلاق خصوصاً، وقد احتفت به قرائن في سباق الآية وسياقها، ومن له أنسٌ بعُرف اللغة يعلم أنهم يريدون بقوله:حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ } [المائدة: 3]: أكلها، وحُرِّم الطعام، أي: أكله، دون لمسه [وتقليبه] وحُرِّمت عليكم الجارية، أي: وطؤها، فيذهبون في تحريم كل عَيْن إلى ما هي مُعدَّة له.

وذهب جماعة من الأصوليين إلى أنها مجملة؛ لأن الأعيان لا تتصف بالتحريم حقيقة، وإنما يحرم فعلٌ يتعلق بها، فلا يدرى ما ذلك الفعل في الأمهات مثلاً، أو في الميتة، هل هو نظر أو لمس أو وطئ؟ وقد أشرنا إلى إبطال هذا من الوجه الذي ذكرناه.

ولأن المجملَ: ما تَرَدَّدَ بين أمرين لا مزية لأحدهما على الآخر، كالألفاظ المشتركة، كالقُرء للحيض والطُهْر، والشفق للبياض والحُمرة، واعتقاد الإجمال في هذه الآية بالمعنى المذكور المحدود فرية بلا مرية. وأمهاتُ الرجل: النساء اللاتي يُنسب إليهن بجهة الولاد، من الذكور والإناث؛ كأم الأم، وأم الأب، وأم أبي الأب، وأم أبي الأب.

وبناتُه: كل أنثى ترجع إليه بالولادة من جهة الذكور والإناث؛ كبنت البنت، وبنت الابن، وبنت ابن البنت، وأخواته من جميع الجهات محرَّمات عليه، والعمَّات، والخالات، وبنات الأخ، وبنات الأخت على نحو ما ذكرناه من الانتساب بجهة الذكور، والإناث، فهؤلاء المحرَّمات بالنسب.

ثم إن الله ذكر المحرَّمات بالسبب فقال: { وَأُمَّهَٰتُكُمُ الَّٰتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَٰعَةِ }.

اتفق العلماء على أن الرضاع ينعقد سبباً لتحريم النكاح لهذه الآية ولقوله صلى الله عليه وسلم: " يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَب ".

وهذا الضابط لا ينخرم إلا في مسألتين:

إحداهما: يحرم على الرجل أختُ ابنه من النسب؛ لأنها بنت حليلته التي دخل بها، ولا تحرم عليه من الرضاع.

المسألة الثانية: تحرم عليه أمُّ أخيه من النسب، لأنها موطوءة أبيه، ولا تحرم عليه من الرضاع.

فصل

اختلفت الرواية عن الإمام أحمد رضي الله عنه في مقدار الرضاع المحرّم، فنقل عنه حنبل: أنها رضعة واحدة، وهو قول عمر، وعليّ، وابن عمر، وابن عباس، والحسن، والنخعي، والزهري، والثوري، وأبي حنيفة، ومالك لعموم الأدلة.

ونقل عنه محمد بن العباس: أنه ثلاثُ رضعات، لما أخرج مسلم في صحيحه بإسناده عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تحرِّم المَصَّةُ ولا المَصَّتَانِ " ، فمدلوله تحريم ما فوقهما.

ونقل عنه أبو الحارث: أنه خمسُ رضعات متفرقات.

السابقالتالي
2 3