الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَٰحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً } * { وَإِنْ أَرَدْتُّمُ ٱسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً } * { وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَٰقاً غَلِيظاً } * { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَآءَ سَبِيلاً }

قوله عز وجل: { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً } قرأ حمزة والكسائي: " كُرْهاً " بضم الكاف، هنا وفي التوبة، والأحقاف، وفتحه الباقون، غير أن ابن ذكوان وعاصماً وافقاهما على الضم في الأحقاف خاصة، وهما لغتان مشهورتان كالفَقْر والفُقْر، الضَّعْف والضُّعْف. وقد أخرج البخاري في صحيحه بإسناده عن ابن عباس في قوله: " { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ } قَالَ: كَانُوا إِذا مَاتَ الرَّجُلُ، كَانَ أَوْلِيَاؤُهُ أَحَقَّ بامْرَأَتِهِ، إِنْ شَاءَ بَعْضُهُمْ تَزَوَّجَهَا، وَإِنْ شَاءُوا زَوَّجُوهَا، وَإِنْ شَاءُوا لَمْ يُزَوِّجُوهَا، فَهُمْ أَحَقُّ بهَا مِنْ أَهْلِهَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَة ".

قال السدي: إنما كان ذلك للأولياء، ما لم تسبق المرأة فتذهب إلى أهلها، فإن ذهبت فهي أحق بنفسها.

فعلى هذا القول، المعنى: لا يحل لكم أن ترثوا نكاح النساء، وهو قول جمهور العلماء والمفسِّرين.

وقد روي عن ابن عباس أيضاً، قال: كان يُلْقِي حميمُ الميت على الجارية ثوباً، فإن كانت جميلة تزوجها، وإن كانت دميمة حبسها حتى تموت فيرثها، فأنزل الله هذه الآية.

فيكون المعنى: لا يحل لكم أن ترثوا أموال النساء كرهاً.

{ وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ } نهيٌ للأزواج عن إمساك النساء على وجه الإضرار بهن، ليفتدين أنفسهن.

وإعراب " ولا تعضلوهن " النصب، أي: ولا أن تعضلوهن، أو الجزم على النهي. { إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَٰحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } قرأ ابن كثير وأبو بكر: " مبيَّنة " بفتح الياء، وكَسَرها الباقون.

والفاحشة هي: النشوز، وسوء الخُلُق.

وقيل: الزنا. فأيها وُجِد، فللزوج عضلها، والتضييق عليها حتى تفتدي.

{ وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ } أي: صاحبوهن بالنصفة في المبيت والنفقة، والإجمال في المقال، والفعال.

{ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً } قال ابن عباس: هو الولد يرزقه الله منها، فيجعل الله فيه خيراً كثيراً.

قال: الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي رضي الله عنه: فقد ندبت الآية إلى إمساك الزوجة مع الكراهة، ونبّهت على معنيين:

أحدهما: أن الإنسانَ لا يعلم وجوه الصلاح، فرُبَّ مكروه عاد محموداً، ومحمودٍ عاد مذموماً.

والثاني: أن الإنسانَ لا يكاد يجد محبوباً، ليس فيه ما يكره، فليصبر على ما يكره لما يحب، وأنشدوا في هذا المعنى:
ومَنْ لَمْ يُغَمِّضْ عَيْنَهُ عَنْ صَدِيقِهِ    وَعَنْ بَعْضِ مَا فيهِ يَمُتْ وَهْوَ عَاتِبُ
وَمَنْ يتَّبعْ جَاهِداً كُلَّ عَثْرَةٍ    يَجِدْها وَلاَ يَسْلَمْ لَهُ الدَّهْرَ صَاحِبُ
قوله تعالى: { وَإِنْ أَرَدْتُّمُ ٱسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ } أي: امرأة مكان امرأة، { وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ }: سبق بيانه في أوائل آل عمران، { فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ } أي: من القنطار { شَيْئاً }.

وإنما خص حال الاستبدال بالنهي، لئلا يُتوهم جواز الاسترجاع فيما بذل في مقابلة الأبضاع، عند انقطاع الانتفاع، وهذا في حق المدخول بها، والتي خلا بها تتنزل منزلة المدخول بها، في تكميل المهر وإيجاب العِدَّة، قضى به الخلفاء الراشدون الأربعة، وذهب إليه الأئمة الأربعة، خَلا الشافعي في قوله الجديد.

السابقالتالي
2 3