الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَآتُواْ ٱلْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ ٱلْخَبِيثَ بِٱلطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً } * { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلاَّ تَعُولُواْ } * { وَءَاتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَٰتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً }

قوله: { وَآتُواْ ٱلْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ } قال سعيد بن جبير: نزلت في رجل من غطفان، كان معه مال كثير، لابن أخ له يتيم، فلما بلغ اليتيم طلب المال فمنعه، فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله هذه الآية، فلما سمعها العم قال: سمعنا وأطعنا، نعوذ بالله من الحُوب الكبير.

والخطاب بقوله: " وآتوا " للأولياء والأوصياء.

وسَمَّاهم يتامى بطريق المجاز؛ لقرب عهدهم باليتم، ويجوز أن يكون المراد باليتامى: الصغار.

والمراد بإيتائهم أموالهم: حفظها وتنميتها، وكَفّ الأيدي الخاطفة من قضاة السوء وولاته عنها إلى أن يؤتوها سليمة.

{ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ ٱلْخَبِيثَ بِٱلطَّيِّبِ } قال السدي: كان أحدهم يأخذ الشاة السمينة من مال اليتيم، ويجعل مكانها المهزولة، ويأخذ الدراهم الجياد [ويطرح] مكانها الزيوف.

وقال غيره: " ولا تتبدلوا الخبيث " وهو الحرام الذي يختزلونه من أموال الأيتام، " بالطيب " وهو الحلال من أموالكم.

{ وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ } أي: ضامِّين لها إلى أموالكم.

قال السدي: لا تخلطوها بأموالكم، ثم تأكلوها جميعاً.

{ إِنَّهُ } يعني: أكل أموالهم، { كَانَ حُوباً كَبِيراً } أي: إثماً عظيماً.

وقرأ الحسن: " حَوباً " بفتح الحاء.

قال ابن قتيبة: فيه ثلاث لغات: حُوب، وحَوب، وحاب.

قال الفرّاء: أهل الحجاز يقولون: حُوب - بالضم -، وتميم يقولونه بالفتح.

قوله تعالى: { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ } اختلفوا في تنزيلها وتأويلها، فقيل: لما نزلت هذه الآية في اليتامى، وما في أكل أموالهم من الحوب الكبير، خاف الأولياء أن يلحقهم الحوب بترك الإقساط في حقوق اليتامى، وأخذوا يتحرجون من ولايتهم.

وكان الرجل ربما كان تحته العشر من الأزواج أو أكثر، أو أقل، فلا يقوم بحقوقهن، ولا يعدل بينهن، فقيل لهم: إن خفتم ترك العدل في أموال اليتامى فتحرجتم منها، فخافوا أيضاً ترك العدل في النساء وقللوا عدد المنكوحات لأن مَن تحرّج من ذنب، أو تاب عنه وهو مرتكب مثله، فهو غير متحرّج ولا تارك لجنس ذلك الإثم.

وهذا المعنى مروي عن ابن عباس، وسعيد بن جبير، وقتادة، والسدي، ومقاتل، والأكثرين.

وقيل: كانوا لا يتحرجون من الزنا، وهم يتحرجون من ولاية اليتامى، فقيل لهم: إن خفتم الجَوْر في أموال اليتامى فخافوا الزنا، فانكحوا ما حلّ لكم من النساء، ولا تحوموا حول المحرَّمات. وهذا المعنى مروي عن مجاهد.

وقيل: إنهم تحرَّجوا من نكاح اليتامى، كما تحرَّجوا من أموالهم، فرَخَّص الله لهم في ذلك، فقيل لهم: وإن خفتم يا أولياء اليتامى، أن لا تَعدلوا فيهن إذا تزوجتموهن، فانكحوا عدداً يمكنكم العدل فيه. وهذا مروي عن الحسن البصري.

وقيل: المعنى: وإن خفتم يا أولياء اليتامى أن تجوروا في صَدُقاتهنّ، أو تسيئوا صحبتهنَّ لعدم مَن يغضب لهنَّ، ويقوم بنصرهنَّ، فانكحوا سِواهنَّ من الغرائب اللواتي أحلّ الله لكم.

السابقالتالي
2 3 4