قوله تعالى: { إِنَّمَا ٱلتَّوْبَةُ عَلَى ٱللَّهِ } أي: إنما قبول التوبة على الله، أو يكون المعنى: إنما التوبة المقبولة عند الله. { لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ } ليس المراد بالجهالة هاهنا عدم العلم بكون ما أتى به من المعصية ذنباً، فإن مَن كان بهذه المثابة معذور بسبب جهله. وإنما المعنى: يعملون السوء جاهلين سفهاء، فيكون موضع قول: " بجَهَالَةٍ " النصب على الحال. قال مجاهد: كل عاص فهو جاهل حين معصيته. وقال الزجاج: آثروا العاجل بالآجل فَسُمُّوا جُهَّالاً. { ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ } قال ابن عباس: قبل أن ينزل به سلطان الموت، وذلك بمعاينة المَلَك. وقد أخرج الإمام أحمد رضي الله عنه في مسنده، بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " تُقْبَلُ تَوْبَةُ العَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ بنَفَسِه ". { فَأُوْلَـٰئِكَ يَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ } وعدٌ من الله الكريم بقبول التوبة. قوله: { وَلَيْسَتِ ٱلتَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ } قال ابن عباس: يريد: الشرك. وقال أبو العالية وسعيد بن جبير: النفاق. والأظهر في نظري: أنها سيئات المسلمين، لأن الكلامَ في الزانيين والإعراض عنهما. وهو قول سفيان الثوري، واحتج بقوله: { وَلاَ ٱلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ }. قوله: { حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ } أي: نزل به سلطانه، وعاين الملائكة، { قَالَ إِنِّي تُبْتُ ٱلآنَ } فحينئذ لا تُقبل توبته، لأنه يصير مضطراً. والقبول يتوقف على الإيمان الاختياري، والتوبة الاختيارية. وقد روي أن لقمان عليه السلام قال لابنه: يا بني لا تؤخر التوبة، فإن مَلَك الموت يأتي بغتة. { أُوْلَـٰئِكَ أَعْتَدْنَا } قال أبو عبيدة: أَفْعَلْنَا، مِنَ العَتاد. وقيل: إن التاء بدل من الدال. والمعنى: هَيَّأْنا لهم { عَذَاباً أَلِيماً }.