الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ نُوحٍ وَٱلنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً } * { وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيماً } * { رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ ٱلرُّسُلِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً } * { لَّـٰكِنِ ٱللَّهُ يَشْهَدُ بِمَآ أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً }

قوله تعالى: { إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ } نزلت مُكذِّبة لليهود في قولهم: ما أوحى الله إليك يا محمد، ولا إلى أحد بعد موسى.

{ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ نُوحٍ } وقد ذكرنا اسمه في آل عمران، وسبب تسميته نوحاً.

وقُدِّم في الذكر على سائر الأنبياء عليهم السلام؛ لاختصاصه بشرف الأبوة، وامتيازه بامتداد زمن النبوة.

{ وَٱلنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ } كصالح، وهود، ويونس، يُقرأ بالحركات الثلاث على النون، وبالهمز وعدمه، إلا أن القراء العشرة أطبقوا على القراءة المشتهرة.

والزَّبُور: الكتاب، فَعُول بمعنى مفعول؛ كحَلُوب ورَكُوب.

وقرأ حمزة: " زُبُوراً " ، بضم الزاي، جمع زَبْر.

قال أبو علي: كأنَّ حمزة جعل كتاب داود أنحاءً، وجعل كل نحو زَبْراً، ثم جمع فقال: " زبوراً ".

قوله: { وَرُسُلاً } منصوب بفعل مضمر يُفسِّره ما بعده. التقدير: قصصنا رسلاً عليك قد قصصناهم.

وجائزٌ أن يُحمل على معنى: أوحينا إليك، كأنه قال: أرسلناك والنبيين ورسلاً.

قوله: { وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيماً } قال ثعلب: لولا أن الله أكد الفعل بالمصدر لجاز أن يكون كما يقول أحدنا للآخر: قد كلَّمتُ لك فلاناً، بمعنى كتبت إليه رُقْعة، وبعثت إليه رسولاً، فلما قال: " تكليماً " لم يكن إلا كلاماً مسموعاً من الله عز وجل.

قوله: { رُّسُلاً } نصب على المدح أو التكرير، { مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ } نعت لـ " رُّسُلاً ".

وفي قوله: { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ ٱلرُّسُلِ } دليل على توقف وجوب الإيمان والطاعة على بعثة الرسل، كما قال تعالى:وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } [الإسراء: 15].

{ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً } في سلطانه { حَكِيماً } في بعثة رسله إلى خلقه.

ولما نزلت: { إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ } قالت اليهود والنصارى: لا نشهد لك بهذا، فنزل: { لَّـٰكِنِ ٱللَّهُ يَشْهَدُ } أي يبين صدقك ورسالتك { بِمَآ أَنزَلَ إِلَيْكَ } من القرآن المعجز، { أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ } أي: ملتبساً بعلمه الذي لا يعلمه غيره، وهو ما اشتمل عليه من البلاغة والبيان، والإخبار عما كان ويكون، والسلامة من المناقضة والمعارضة، إلى غير ذلك من العلوم التي يُقَوَّم إعجاز القرآن بها، والأسرار المودعة فيه.

قال سفيان بن عيينة: إنما آيات القرآن خزائن، فإذا دخلت خزانة فاجتهد أن لا تخرج منها حتى تعرف ما فيها.

وقيل: " أنزله " مشتملاً بما علم من مصالح العباد.

وقيل: " بعلمه ": أنك أهل لإنزاله عليك.

وقيل: " أنزله " وفيه علمه.

{ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ يَشْهَدُونَ } بصدقك ورسالتك.

{ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } وإن لم يشهد غيره.