الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱللاَّتِي يَأْتِينَ ٱلْفَٰحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَٱسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي ٱلْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ ٱلْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً } * { وَٱللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَآ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّاباً رَّحِيماً }

قوله تعالى: { وَٱللاَّتِي يَأْتِينَ ٱلْفَٰحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ } قال الزجاج: " التي " تُجْمَع اللاتي، واللواتي. قال الشاعر:
من اللَّواتي والتي واللاَّتي     زَعَمْنَ أَنِّي كَبرْتْ لِدَاتِي
ويجمع «اللاتي» بإثبات الياء وحذفها.

قال الشاعر:
من اللاتي لم يحججن يبغينَ حِسْبَةً    ولكن ليقتلن البريء المغفّلا
والفاحشة: الزنا، سُمِّيَ بذلك؛ لظهور قبحه.

{ فَٱسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ } خطاب للحُكَّام { أَرْبَعةً مِّنْكُمْ } يعني: من المسلمين.

قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنما جَعَلَ الله الشهود أربعة سِتراً ستركم به دون فواحشكم.

{ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي ٱلْبُيُوتِ } أي: احبسوهن { حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ ٱلْمَوْتُ }.

فإن قيل: التوفي والموت واحد، فكيف نسب الفعل إليه؟

قلت: فيه إضمار، تقديره: حتى يتوفاهن مَلَك الموت، أو يكون المعنى: حتى يأخذهن الموت { أَوْ يَجْعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً }.

قوله: { وَٱللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا } " اللذان " تثنية: الذي، ويريد: الزاني والزانية. وابن كثير يُشَدِّد النون هنا، وفي " هذان " في طه، والحج، و " هاتين " في القصص، " فَذانِكَ " في القصص أيضاً، و " اللَّذيْن " في السجدة. وافقه أبو عمرو في " فَذانِكَ ". وقرأ الباقي كالباقين بالتخفيف على الأصل.

وحُجَّةُ مَن شدَّد النون في هذه المواضع: الفرق بالتشديد بين النون التي تُحذف للإضافة، وبين النون التي لا تُحذف للإضافة، لأن المبهم معرفة؛ فهو لا يُضاف ألبتة.

وقيل: التشديد لهذه النون؛ للفرق بين النون التي هي عوض من تنوين ملفوظ به في الواحد، نحو: زيد وعمرو، والتي لا تنوين في الواحد ملفوظ به تكون النون عوضاً منه.

وقيل: جعل التشديد عوضاً من الحذف الذي لحق الكلمة، ألا ترى أن قولهم: " ذا " قد حذف لامها، وقد حذفت الياء من " اللذان " و " هذان " ، وكان حقهما في التثنية: " اللذيان " و " هاذيان " ، فجعل التشديد فيه عوضاً من المحذوف عنه في التثنية.

" فآذوهما ": قال ابن عباس: بالتوبيخ، والتعيير، والضرب بالنعال.

{ فَإِن تَابَا } من الفاحشة { وَأَصْلَحَا } العمل بعد ذلك { فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَآ } أي: عن أذاهما.

فصل

كان حكمُ الزانية في صدر الإسلام أن تُحْبَس في البيت حتى تموت، وحكم الزاني أن يُؤذى، كما قال ابن عباس، فنُسخ الحكمان في حقهما.

واختلفوا في الناسخ:

فذهب جماعة من المفسِّرين إلى أنه نسخ بحديث عبادة بن الصامت، وهو ما أخبرنا به الشيخان، شيخ الإسلام موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي بدمشق، وأبو بكر محمد بن سعيد بن الموفق الخازن ببغداد، قال كل واحد منهما: أخبرنا أبو زرعة طاهر بن محمد المقدسي، أخبرنا أبو الحسن مكي بن منصور بن علان الكَرْجي، أخبرنا أحمد بن الحسن الحيري، أخبرنا أبو العباس الأصم، أخبرنا الربيع، أخبرنا الشافعي، أخبرنا عبد الوهاب، عن يونس، عن الحسن، عن عبادة بن الصامت، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

السابقالتالي
2