الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوۤءِ مِنَ ٱلْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً } * { إِن تُبْدُواْ خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوۤءٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ ٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً } * { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ أُوْلَـٰئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }

قوله: { لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوۤءِ مِنَ ٱلْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ } أي: إلا جهر مَن ظُلِم، وهو أن يدعو على الظالم، ويذكّرَه بما فيه من السوء، أو يبدأه إنسان بالشتيمة فيرد عليه.

قال ابن عباس: نزلت في الضيافة؛ ينزل الرجل بالرجل عنده سعة فلا يضيفه، فإن تناوله بلسانه فقد عذره الله.

وقال مقاتل: نال رجل من أبي بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه والنبي صلى الله عليه وسلم حاضر، فسكت عنه أبو بكر مراراً، ثم ردّ عليه، فقام النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله؛ شتمني فلم تقل له شيئاً، حتى إذا رددتُ عليه قمتَ، فقال: إن مَلَكاً كان يجيب عنك، فلما رددتَ عليه ذهب المَلَك، وجاء الشيطان، فنزلت هذه الآية.

وقرأ جماعة منهم عبد الله بن [عمر]، والحسن، والسعيدان، وأبو رجاء، وقتادة والضحاك، وزيد بن أسلم: بفتح الظاء واللام، فيكون الاستثناء منقطعاً، على معنى: لكن الظالم قد يجهر بالسوء فاجهروا له بالسوء.

وقال الزمخشري: يجوز أن يكون " من ظلم " مرفوعاً، كأنه قيل: لا يحب الجهر بالسوء إلا الظالم، على لغة مَن يقول: ما جاءني زيد إلا عمرو، بمعنى: ما جاءني إلا عمرو. ومنه:لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوٰتِ وٱلأَرْضِ ٱلْغَيْبَ إِلاَّ ٱللَّهُ } [النمل: 65].

وقال ثعلب: هي مردودة على قوله: { مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ } [النساء: 147]... { إِلاَّ مَن ظُلِمَ }.

{ وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعاً } لقول المظلوم ودعائه، { عَلِيماً } بفعل الظالم، وقدر جزائه، فليحذر المظلوم من الحيف، فطالما صار بسببه ظالماً.

كتب عمر بن عبد العزيز إلى عامله بالكوفة: بلغني أن مَن قِبَلَك يَسُبُّون الحَجَّاج، فانههم عن ذلك، فإنه بلغني أنه لا يزال المظلوم يدعو على الظالم حتى يصير المظلومُ ظالماً، والظالِمُ مظلوماً.

ثم إن الله تعالى نبَّه المظلوم على فضيلة العفو، ورغَّبه فيه وأعلمه أنه من أوصافه، فقال: { إِن تُبْدُواْ خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوۤءٍ }. المعنى: إن تبدوا خيراً بدلاً من السوء الذي أطلق لكم الجهر به تفضلاً وكرماً وتقرُّباً إلى الله، واكتساباً للحمد والثناء، أو تُخفوا الخير في أنفسكم، فلا تجهروا به اكتفاء بعلم الله بما في قلوبكم، ورغبة في ثوابه، { أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوۤءٍ } فتتجاوزوا عنه إغضاءً وتسامحاً، وتركاً للانتصار مع الاقتدار، { فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً }.

قوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ ٱللَّهِ وَرُسُلِهِ } قال المفسِّرون: هم اليهود كفروا بعيسى والإنجيل، ومحمد والقرآن.

{ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ ٱللَّهِ وَرُسُلِهِ } في الإيمان، { وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ } ، فأخبر الله أن الإيمان بالبعض كفر بالكل لما فيه من التكذيب فقال: { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَافِرُونَ حَقّاً }.

{ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذٰلِكَ } أي: بين الكفر والإيمان { سَبِيلاً } مذهباً يدعون إليه ويحضون عليه.

السابقالتالي
2