الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلاۤ أَمَانِيِّ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } * { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً } * { وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَٰهِيمَ حَنِيفاً وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً } * { وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطاً }

قوله عز وجل: { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلاۤ أَمَانِيِّ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } قال ابن عباس وقتادة: اختصم أهل الأديان، فقال أهل التوراة: كتابنا خير الكتب، ونبيّنا خير الأنبياء، وقال أهل الإنجيل مثل ذلك. وقال المسلمون: كتابنا نسخ كل كتاب، ونبيّنا خاتم الأنبياء، فنزلت هذه الآية.

ثم خيَّر بين الأديان بقوله: { وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً }.

وقال عكرمة: قالت اليهود والنصارى: لا يدخل الجنة غيرنا. وقال كفار قريش: لا نُبعث، فنزلت.

قال الزجَّاج: اسم " ليس " مضمر، والمعنى: ليس ثواب الله بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب.

قال الحسن رحمه الله: ليس الإيمان بالتمني، ولا التحلي، ولكنه ما وقر في الصدر، وصدَّقه العمل.

نفى الله سبحانه وتعالى أن يكون ثوابه وجنته بالأماني الكاذبة والدعاوي الباطلة كما زعمته اليهود في قولهم:لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ } [البقرة: 111]، وقولهم:نَحْنُ أَبْنَٰؤُاْ ٱللَّهِ وَأَحِبَّٰؤُهُ } [المائدة: 18]،لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً } [البقرة: 80].

فلما أوضح لعباده خيبة الأماني الكاذبة أعلمهم أن الجزاء معقود بالأعمال لا بالأماني والآمال، فقال عز وجل: { مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ }.

قال ابن عباس: هو الشرك.

والأظهر عمومه في جميع السيئات، يدل عليه ما أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة قال: " لمَّا نَزَلَتْ: { مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ } بَلَغَتْ مِنَ المُسْلِمِينَ مَبْلَغاً شَدِيداً، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: قَارِبُوا وَسَدِّدُوا، فَفي كُلِّ مَا يُصَابُ بهِ المُسْلِمُ كَفَّارَةٌ، حَتَّى النَّكْبَةِ يُنْكَبُهَا، أَوْ الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا ".

وفي الحديث: " أن أبا بكر الصدِّيق رضي الله عنه قال لما نزلت: يا رسول الله؛ كيف الصلاح بعد هذه الآية: { مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ } ، فقال: غفر الله لك يا أبا بكر ألستَ تمرض؟ ألستَ تحزن؟ ألستَ تصيبك اللأواء؟ فذلك مما تُجزون به ".

وأخرج الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي بكر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بهِ في الدُّنْيَا ".

قال مسروق: لما نزلت: { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلاۤ أَمَانِيِّ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ }. قال أهل الكتاب: نحن وأنتم سواء، فنزلت: { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ... } الآية.

هذه " مِنْ " للتبعيض، والتي في قوله: { مِن ذَكَرٍ } لتبيين الإبهام في قوله: { مَن يَعْمَلْ }.

وفي قوله: { وَهُوَ مُؤْمِنٌ } إخراج لأهل الكتاب عن تناول الآية لهم؛ لكفرهم بما لا يتم الإيمان إلا به.

{ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً } يعني: أهل السوء، وأهل العمل الصالح.

وقد سبق تفسير ما بعده إلى قوله: { حَنِيفاً } ، وهو حال من الضمير المرفوع في " واتبع " أو حال من " إبراهيم ".

{ وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً } جاء في الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

السابقالتالي
2