الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَٰوةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنَّ ٱلْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً }

قوله: { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَٰوةِ } سبب نزولها: ما روي عن أبي عياش الزرقي قال: " صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بعُسْفان، وعلى المشركين خالد بن الوليد، فقالوا: لقد أصبنا منهم غِرَّة لو كنا حملنا عليهم وهم في الصلاة، ثم قالوا: تأتي عليهم صلاة العصر وهي أحب عليهم من آبائهم وأبنائهم، قال: فنزل جبريل بهؤلاء الآيات بين الظهر والعصر بعُسْفان ".

وظاهرُ الآية يدل على أن القصر رخصة، وهو مذهب جماعة منهم: مجاهد، وطاووس، وأحمد، والشافعي.

واحتجوا بما أخبرنا به الشيخان: شيخ الإسلام موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد ابن قدامة المقدسي بدمشق، والشيخ النجيب محمد بن سعيد بن الموفق الخازن النيسابوري ببغداد قالا: أخبرنا أبو زرعة طاهر بن محمد المقدسي، أخبرنا أبو الحسن مكي بن منصور بن علان الكَرْجي، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري، أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم، أخبرنا الربيع، أخبرنا الشافعي، أخبرنا مسلم بن خالد، وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، عن ابن جريج، حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار، عن عبد الله بن باباه، عن يعلى بن أمية قال: " قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الخَطَّاب: فيم إقصار الناس الصلاة اليوم، وإنما قال الله: { إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } وقد ذهب ذلك اليوم، فَقَالَ عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ، فَذكَرْتُ ذلِكَ لِرَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ الله بهَا عَلَيْكُمْ، فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ " هذا حديث صحيح أخرجه مسلم، عن إسحاق بن إبراهيم، عن عبد الله بن إدريس، عن ابن جريج.

ففي هذا الحديث دليل على أن القصر رخصة، وأن الإتمام هو الأصل، ألا ترى أنهما قد تعجبا من القصر مع عدم الخوف. وقوله: " صدقة تصدَّق الله بها عليكم " دليل على أن القصر رخصة وإباحة، لا عزيمة.

وذهب أكثرُ أهل العلم من الصحابة والتابعين فمَن بعدهم: إلى أن القصر واجب، وهو قول عمر، وعليّ، وابن عمر، وجابر، وابن عباس، وعمر بن عبد العزيز، والحسن، وقتادة، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة.

وقد تكافأت الأدلة في نظر الإمام أحمد رضي الله عنه يوماً فقال - وقد سُئل عن هذه المسألة-: أنا أحب العافية في هذه المسألة، وجزم مرة بالفتيا على ما حكيناه أوّلاً من مذهبه.

وذهب بعضُ أهل العلم إلى أن ركعتي المسافر ليس بقصر، إنما القصر أن يصلي ركعة واحدة عند الخوف والقتال، يروى ذلك عن جابر، وجعل شرط الخوف المذكور في الآية باقياً، وهذا محتمل لولا خبر عمر رضي الله عنه.

قوله: { أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَٰوةِ } يقال: قَصَرَ الصلاة، وأَقْصَرَها وقَصَّرَها. { إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } قال ابن عباس: معناه: أن يقتلكم؛ كقوله:عَلَىٰ خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ } [يونس: 83]، وهذا الكلام خارج مخرج الغالب لا مخرج الشرط، فإن الغالب من أسفار النبي صلى الله عليه وسلم أنها لا تخلو من الخوف من العدو، فيكون القصر في حال الخوف، والأمن، مستفاداً من الآية بهذا التقرير المذكور.