قوله تعالى: { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ ٱلَّيلِ سَاجِداً وَقَآئِماً } اختلفوا فيمن نزلت على أقوال: أحدها: أنها نزلت في أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه. قاله ابن عباس. والثاني: في عثمان بن عفان رضي الله عنه. قاله ابن عمر. والثالث: في عبدالله بن مسعود وعمار بن ياسر وصهيب وأبي ذر. قاله ابن السائب. وحكى يحيى بن سلام: أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل: بعمومها فيمن كان بهذه الصفة. واختلف القراء في قوله تعالى: { أمَّنْ } فقرأ ابن كثير ونافع وحمزة: " أَمَنْ " بتخفيف الميم، وشدّدها الباقون. قال أبو علي: من شدَّد فإنها " أَمْ " دخلت على [ " مَنْ " ] فأدغمت الميم في الميم، وتكون الجملة التي عادلت أمْ قد حذفت، المعنى: الجاحد الكافر بربه خير أمَّن هو قانت، و " مَنْ " موصولة بمعنى الذي، وليست باستفهام، ودل على الجملة المحذوفة المعادلة لأَمْ ما جاء بعد من قوله تعالى: { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } ، ودلّ عليها أيضاً ما قبلُ من قوله تعالى:{ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ } [الزمر: 8]. فأما من خفَّفَ الميم فقال: { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ } ، فالمعنى: أمَنْ هو قانت كَمَنْ هو بخلاف هذا الوصف؟ ولا وجه للنداء هاهنا؛ لأن هذا موضع معادلة، ويدل على المحذوف هاهنا: { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ }؛ لأن التسوية لا تكون إلا بين شيئين.