الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَـفَرُوۤاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَـآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا قَالُواْ بَلَىٰ وَلَـٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } * { قِيلَ ٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَـبِّرِينَ } * { وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ إِلَى ٱلّجَنَّةِ زُمَراً حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُـمْ طِبْتُمْ فَٱدْخُلُوهَا خَالِدِينَ } * { وَقَـالُواْ ٱلْحَـمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا ٱلأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ ٱلْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَآءُ فَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ }

قوله تعالى: { وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَـفَرُوۤاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَراً } قال الحسن: أفواجاً.

قال أبو عبيدة والأخفش: جماعات في تفرقة.

قال ابن السائب: أمماً.

وقيل: في زُمر.

{ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ } هي الطبقات المختلفة؛ الشهداء، والزهاد، والعلماء، والفقراء، أي: كل طائفة على حِدَة.

فإن قيل: ما معنى سَوْق هؤلاء وسَوْق هؤلاء؟

قلتُ: سَوْق الكفار: طردهم إلى النار وزجرهم بأبلغ ما يكون من العنف والهوان ليقتحموا جَراثيم جهنم. وسوق المتقين: سوق مراكبهم إسراعاً بهم إلى ما أعد لهم من الكرامة في الجنة.

فإن قيل: ما الفرق بين قراءة أهل الكوفة: " فُتحت، وفُتحت " بالتخفيف فيهما، وقراءة الباقين بالتشديد؟

قلتُ: قد ذكرته في الأنعام عند قوله تعالى:فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ } [الأنعام: 44] فاطلبه هناك.

فإن قيل: لم أدخلت الواو في الموضع الثاني وهو قوله تعالى: { وفتحت أبوابها } ، وحذفت في الأول؟

قلتُ: هي واو الحال، بتقدير: وقد فتحت أبوابها، يريد: أن المتقين سبقوا إلى الجنة وقد فتحت أبوابها لهم قبل مجيئهم ليتعجلوا السرور والفرح، وأن الكافرين جاؤوا جهنم وأبوابها مغلقة لم تفتح حتى جاؤوها لتكون أشد لحرّها وأبلغ في عذابها.

وقال بعض العلماء: هذه تسمى واو الثمانية، وذلك أن من عادة قريش يعدون العدد من الواحد إلى الثمانية، فإذا بلغوا الثامنة زادوا فيها واواً، فيقولون: خمسة، ستة، سبعة، وثمانية. وقد أشرنا إلى هذا عند قوله تعالى:وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ } [الكهف: 22].

وقيل: الواو زائدة.

فإن قيل: أين جواب { حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا }؟

قلتُ: [ " فُتِحَت " ] إن كانت الواو زائدة، أو محذوف إن لم تكن زائدة، تقديره: حتى إذا جاؤوها -إلى آخر الآية-: سعدوا، ويكون التقدير: حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها.

وقال الزجاج: المعنى: { حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا } إلى قوله تعالى: { فَٱدْخُلُوهَا خَالِدِينَ }: دخلوها، فيكون الجواب: دخلوها، وحذف؛ لأن في الكلام [دليلاً] عليه.

قوله تعالى: { طِبْتُمْ } أي: طهرتم من دنس المعاصي في الدنيا.

وقال ابن عباس: طاب لكم المقام.

وقيل: طبتم بالمغفرة.

ويروى عن علي عليه السلام أنه سئل عن هذه الآية فقال: سيقوا إلى أبواب الجنة، حتى إذا انتهوا إليها وجدوا عند بابها شجرة تخرج من تحت ساقها عينان، فعمدوا إلى إحداهما فنظروا فيها فَجَرَتْ عليهم نظرة النعيم، فلن تغير آثارهم بعدها أبداً، ولن تشعث أشعارهم بعدها أبداً، كأنما قد دهنوا بالدهان، ثم عمدوا إلى الأخرى فشربوا منها فأذهبت ما في بطونهم من أذى أو قذى [وتلقتهم] الملائكة على أبواب الجنة: { سَلاَمٌ عَلَيْكُـمْ طِبْتُمْ فَٱدْخُلُوهَا خَالِدِينَ }.

وقد ذكرنا نحو هذا في الأعراف.

وقوله: " خالدين " حال مُقَدَّرة.

قوله تعالى: { وَأَوْرَثَنَا ٱلأَرْضَ } يعني: أرض الجنة. وقد سبق معنى كون ذلك ميراثاً في الأعراف.

{ نَتَبَوَّأُ مِنَ ٱلْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَآءُ } أي: نتخذ من المنازل ما شئنا. وما ذاك إلا لسعتها وزيادة منازلها على مقدار حاجة الداخلين إليها.

وحكى أبو سليمان الدمشقي: أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم يدخلون الجنة قبل الأمم فينزلون منها حيث شاؤوا، ثم تنزل الأمم بعدهم، فلذلك قالوا: { نَتَبَوَّأُ مِنَ ٱلْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَآءُ } فيقول الله تعالى: { فَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ } أي: فنعم ثواب المطيعين [في الدنيا] الجنة.