قوله تعالى: { قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ } أي: جَنُوا عليها بالإسراف في المعاصي والغُلوّ فيها. { لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ } أخبرنا الشيخان أبو القاسم السلمي وأبو الحسن علي بن أبي بكر قالا: أخبرنا أبو الوقت، أخبرنا عبدالرحمن، أخبرنا عبدالله، أخبرنا محمد، حدثنا إسماعيل البخاري، حدثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشام بن يوسف، أن ابن جريج أخبرهم، قال يعلى: إن سعيد بن جبير أخبرهم عن ابن عباس: " أن ناساً من أهل الشرك كانوا قد قتلوا فأكثروا، وزنوا فأكثروا، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن، لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة، فنزلت:{ وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ } [الفرقان: 68]، ونزل قوله تعالى: { قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ } ". وقال ابن عمر: نزلت في عياش بن أبي ربيعة، والوليد بن الوليد، ونفر من المسلمين كانوا بمكة وكانوا قد أسلموا ثم عُذبوا فافتتنوا، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: لا يَقبل الله من هؤلاء صرفاً ولا عدلاً، قوم تركوا دينهم لعذاب عُذبوه، [فنزلت] هذه الآية، فكتب بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه إليهم فأسلموا وهاجروا. وقيل: نزلت في وحشي، قاتل حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه. وهذه الآية من أرجى الآيات المؤذنة برحمة الله تعالى. ويروى: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين نزلت: ما أحبُّ أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية. وقال علي عليه السلام: ما في القرآن آية أوسع من { يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ... } الآية. وقال ابن مسعود: إن أكثر آية في القرآن فرجاً هذه الآية. قوله تعالى: { وَأَسْلِمُواْ لَهُ } أي: أخلصوا له التوحيد واخضعوا له. { وَٱتَّبِعُـوۤاْ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم } مفسر في الأعراف في قوله تعالى:{ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا } [الأعراف: 145]. قوله تعالى: { أَن تَقُولَ نَفْسٌ } قال المبرد: المعنى: بادروا قبل أن تقول، واحذروا من أن تقول. وقال غيره: كراهة أن تقول نفس. { يٰحَسْرَتَا } وقرأتُ لأبي جعفر: " يا حسرتايَ " بألف بعد التاء وياء مفتوحة. وقرأ الحسن وأبو العالية: " يا حسرتي " بكسر التاء وسكون الياء على الأصل. والمعنى: يا ندامتي احضري، فهذا أوانك. { عَلَىٰ مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ ٱللَّهِ } " ما " مصدرية. قال الحسن: في طاعة الله. وقال سعيد بن جبير: في حق الله. وقال مجاهد والزجاج: في أمر الله. وأنشدوا للسابق البربري:
أما تتقينَ اللهَ في جَنْبِ [وَامِقٍ]
له كبدٌ حرّى عليكِ تَقَطَّع
وقال الفراء: الجنب: القرب، أي: على ما [فرطت] في قُرب الله وجواره.