الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ ذَلِكَ هُدَى ٱللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَآءُ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ }

قوله تعالى: { ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ } قال ابن مسعود وابن عباس: قالت الصحابة: يا رسول الله لو حدَّثتنا، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

{ كِتَاباً } بدل من " أحسن الحديث " ، أو حالاً منه، { مُّتَشَابِهاً } يشبه بعضه بعضاً ويصدق بعضه بعضاً، ليس فيه تناقض ولا اختلاف.

وقال قتادة: تشبه الآية الآية، والكلمة الكلمة، والحرف الحرف.

وقال الزجاج: يشبه بعضه بعضاً في الفضل والحكمة.

وقال الزمخشري: متشابهاً في الصحة والإحكام والصدق، وتناسب ألفاظه وتناصفها في التخيّر والإصابة، وتجاوب نظمه وتأليفه في الإعجاز. ويجوز أن يكون { مَّثَانِيَ } بياناً لكونه متشابهاً؛ لأن القصص المكررة لا تكون إلا متشابهة.

والمثاني: جمع مثنى، بمعنى: مردّد ومكرّر، لما ثني من قصصه وأنبائه، وأحكامه، وأوامره ونواهيه، ووعده ووعيده، ومواعظه.

وقيل: لأنه يثنى في التلاوة، فلا يمل كما جاء في وصفه لا يتفه ولا يتشان ولا يَخْلَقُ على كثرة الرد.

ويجوز أن يكون جمع مثنى: مَفْعَل، من التثنية، بمعنى: التكرير والإعادة.

فإن قيل: ما فائدة التثنية والتكرير؟

قلتُ: عنه جوابان:

أحدهما: أن وفود العرب كانت ترد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتعلم كل واحد منهم ما يتيسر له، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث السور المختلفة إلى القبائل المتفرقة، فلو لم تكن الأنباء والقصص مثناة ومكررة لوقعت قصة نوح مثلاً إلى قوم، وقصة موسى إلى قوم، فأراد الله سبحانه وتعالى الحكيم إظهار القصص وتشعبها في القبائل والبقاع؛ موعظة لخلقه، ومعجزة لرسوله صلى الله عليه وسلم.

الثاني: أن النفوس شديدة النفرة عن المواعظ والنصائح، فأراد الله عز وجل تكرير قصص الأنبياء مع أممهم وأمثال ذلك ليترسخ فيها بسبب التكرار والترداد.

قوله تعالى: { تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ } أي: يأخذهم عند تلاوته وتدبر مواعظه قُشعريرة.

روى العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا اقشعرَّ جلد العبد من خشية الله تعالى تحاتت عنه ذنوبه كما تتحاتّ عن الشجرة اليابسة أوراقها ".

وعنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا اقشعرّ جلد العبد من خشية الله تعالى حرَّمه الله على النار ".

{ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ } عَدَّى " تلين " بإلى؛ لتضمنها معنى [تَطْمَئن] وتَسْكُن.

قال السدي: تقشعر من وعيده وتلين عند وعده.

قال قتادة: هذا نعت أولياء الله تعالى تقشعر جلودهم وتلين قلوبهم، ولم ينعتهم بذهاب عقولهم والغشيان عليهم، إنما هذا في أهل البدع وهذا من الشيطان.

قال عبد الله بن عروة بن الزبير: قلت لجدّتي أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: كيف كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلون إذا قرئ عليهم القرآن؟ قالت: كانوا كما نعتهم الله سبحانه وتعالى تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم.

السابقالتالي
2