الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي ٱلأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِـيجُ فَـتَرَاهُ مُصْفَـرّاً ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَاماً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } * { أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }

قوله تعالى: { فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي ٱلأَرْضِ } قال الشعبي: كل ماء في الأرض فمن السماء نزل.

والمعنى: فأدخله ونظمه عيوناً في الأرض يسلك في مجاريه كالعروق في الأجساد.

{ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ } ما بين أخضر وأحمر وأصفر وأبيض وغير ذلك.

وقيل: المراد بألوانه: أصنافه من بُرّ وشعير وأرز وسمسم وغيرها.

{ ثُمَّ يَهِـيجُ } يتناهى جفافه.

قال الأصمعي: يقال للنبت إذا تَمَّ جفافه: قد هَاجَ يَهيجُ هَيْجاً.

قال بعضهم: سُمي بذلك؛ لأنه إذا تَمَّ جفافه حان له أن يثور عن منابته.

{ فَـتَرَاهُ } بعد نضارته وخضرته { مُصْفَـرّاً ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَاماً } فتاتاً متكسراً.

{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ } لتذكيراً { لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } على أنه لا بد من صانع حكيم قادر عليم.

وقال مقاتل: هذا مثلٌ ضُرب للدنيا.

قوله تعالى: { أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ } قال الزجاج: جوابه متروك؛ لأن الكلام دالٌّ عليه، تقديره: أفمن شرح الله صدره فاهتدى كمن طبع الله تعالى على قلبه. ويدلّ عليه قوله تعالى: { فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ ٱللَّهِ }.

وقد فسرنا معنى الشرح في سورة الأنعام وذكرنا فيه حديثاً له اختصاص بهذه الآية ومدخل في تأويلها.

قال قتادة: " فهو على نور من ربه ": هو كتاب الله يأخذ به وينتهي إليه.

قال ابن عباس: نزلت في أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه وأبيّ بن خلف.

وقال عطاء: نزلت في علي وحمزة وأبي لهب وولده.

وقال مقاتل: نزلت في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي جهل.

وقد ذكرنا معنى القسوة في سورة البقرة.

ومقاتل يقول: " مِنْ ذكر الله " بمعنى: عَنْ ذكر الله.

قال الفراء: كما تقول: اتّخمت من طعامٍ أكلته وعن طعام أكلته.

قلتُ: [ويؤيد] هذا قراءة أُبيّ بن كعب وابن أبي عبلة وأبي عمران: " عن ذكر الله ".

وقال الزمخشري: إن قلت: ما الفرق بين " من " و " عن " في هذا؟

قلتُ: إذا قلتَ: قسا قلبه من ذكر الله، فالمعنى ما ذكرت، من [أن] القسوة من أجل الذِّكْر وسببه، وإذا قلتَ: عن ذكر الله، فالمعنى: غلظ عن قبول الذِّكْر وجفا عنه. ونظيره: [سقاه] من العَيْمَة، أي: من أجل عطشه، وسقاه عن العيمة؛ إذا أرواه حتى أبعده عن العطش.

وقال غيره: هو على حذف المضاف، تقديره: فويل للقاسية قلوبهم من ترك ذكر الله.