الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } * { إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ فَٱعْبُدِ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينَ } * { أَلاَ لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلْخَالِصُ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَـفَّارٌ } * { لَّوْ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً لاَّصْطَفَىٰ مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ سُبْحَانَهُ هُوَ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ }

قال الله تعالى: { تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ }: مبتدأ، خبره: { مِنَ ٱللَّهِ }.

وقيل: " تنزيل ": خبر مبتدأ محذوف، تقديره: هذا تنزيل الكتاب، والجار والمجرور صلة التنزيل، كما تقول: نزل من عند الله. أو غير صلة، فيكون الجار والمجرور خبراً بعد خبر. أو يكون خبر مبتدأ محذوف، تقديره: هذا من الله.

والمراد بالكتاب: القرآن.

قوله تعالى: { مُخْلِصاً } نصب على الحال، { ٱلدِّينَ } نصب بوقوع الفعل عليه. والمعنى: فاعبد الله ممحضاً له الدين من الشرك والرياء.

{ أَلاَ لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلْخَالِصُ } قال قتادة: شهادة أن لا إله إلا الله.

وقال الحسن: الإسلام.

وقيل: المعنى: هو الذي وجب اختصاصه بأن تُخلص له الطاعة من كل شائبة كدر.

قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ } قال صاحب الكشاف: يحتمل المتَّخذين وهم الكفرة، والمتخذين وهم الملائكة وعيسى واللات والعزى؛ عن ابن عباس. والضمير في " اتخذوا " على الأول راجع إلى " الذين " ، وعلى الثاني إلى " المشركين " ، ولم يجر ذكرهم لكونه مفهوماً، والراجع إلى " الذين " محذوف. والمعنى: والذين [اتخذهم] المشركون أولياء.

" والذين اتخذوا " في موضع رفع على الابتداء.

فإن قلت: فالخبر ما هو؟

قلتُ: هو على الأول، إما { إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } أو ما أضمر من القول قبل قوله: { مَا نَعْبُدُهُمْ }. وعلى الثاني: { إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ }.

فإن قلت: فإذا كان " [إن الله] يحكم بينهم " الخبر، فما موضع القول المضمر؟ قلتُ: يجوز أن يكون في موضع الحال، أي: قائلين ذلك. [ويجوز أن يكون بدلاً من الصلة فلا يكون له محل، كما أن المُبْدل منه كذلك].

وقرأ ابن مسعود بإظهار القول: " قالوا ما نعبدهم ". وفي قراءة أُبَيّ: " ما نعبدكم إلا لتقربونا " على الخطاب، حكاية لما خاطبوا به آلهتهم.

وقال الزجاج: { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } أي: قُربى.

والضمير في " بينهم " لهم ولأوليائهم.

والمعنى: إن الله يحكم بينهم بأنه يدخل الملائكة وعيسى عليهم السلام الجنة، ويدخلهم النار مع الحجارة التي نحتوها وعبدوها من دون الله تعالى.

وقيل: يحكم بين المسلمين والمشركين، فإن المسلمين كانوا يقولون لهم: مَنْ خَلَقَ السماوات والأرض؟ فيقولون: الله، فإذا قالوا لهم: فما لكم تعبدون الأصنام؟ قالوا: إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى.

{ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي } أي: لا يُرشد { مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَـفَّارٌ } في قوله أن الآلهة تشفع لهم وتقربهم إلى الله.

وقيل: من هو كاذب في قولهم في بعض من اتخذوه من دون الله أولياء: بنات الله، ولذلك عقبه محتجاً عليهم بقوله تعالى: { لَّوْ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً لاَّصْطَفَىٰ مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ }.

قال الزمخشري: كأنه قال: لو أراد الله تعالى اتخاذ الولد لم يزد على ما فعل من اصطفاء ما [يشاء] من خلقه وهم الملائكة، إلا أنكم لجهلكم به حسبتم اصطفاءهم [اتخاذهم] أولاداً، ثم تماديتم في جهلكم وسفهكم فجعلتموهم بنات.

ثم نزّه نفسه فقال: { سُبْحَانَهُ هُوَ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ }.