الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } * { ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } * { وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَىٰ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } * { وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَٱضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِّعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ }

قوله تعالى: { وَٱذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ } " عَبْدَنا " منصوب بوقوع الفعل عليه، " وأيوبَ " بدل أو عطف بيان، و { إِذْ } بدل اشتمال منه.

{ نَادَىٰ رَبَّهُ } دَعَاهُ { أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } وقرأتُ لأبي جعفر: " بنُصُبٍ " بضم النون والصاد، وقرأتُ ليعقوب بفتحهما، وقرأتُ أيضاً من رواية حسنون بن الهيثم عن هبيرة بن محمد التمار عن حفص: بفتح النون وسكون الصاد، وقرأتُ لباقي القراء العشرة: بضم النون وسكون الصاد.

فالنُّصْب والنَّصَب لغتان، كالرُّشْد والرَّشَد، و " نُصُب " [بضمهما] تثقيل نصب، ونَصَبٌ على أصل المصدر، وأصله: التَّعَبُ والمشقة.

قال ابن عباس: يريد: ما ابتلاه الله تعالى به حين سَلَّط عليه الشيطان.

وقال قتادة: بضُرٍّ في الجسد وعذاب في الأهل والمال.

فإن قيل: كيف أضاف ما أصابه إلى الشيطان والمبتلي له هو الله تعالى؟

قلتُ: أضافه إلى الشيطان إضافة الشيء إلى سببه، فإن الشيطان هو الذي تولى ذلك، وباشره على ما ذكرناه في قصته في سورة الأنبياء، فتطلبه مع ما لم أذكره هاهنا من حديثه في سورة الأنبياء.

فإن قيل: فما الحكمة في إضافته إلى سببه دون مسببه؟

قلتُ: استعمال حسن الأدب مع الله سبحانه وتعالى لئلا يكون كالشاكي منه يذكر ما ابتلاه به.

وقيل: أراد بقوله: { مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ }: ما كان يوسوس إليه في مرضه من تعظيم ما نزل به من البلاء، وما كان يغريه على الكراهة والجزع.

{ ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ } أي: قلنا له اضرب الأرض برجلك، فركض فنبعت عين ماء فاغتسل منها، ثم مشى نحواً من أربعين ذراعاً، ثم رَكَضَ برجْله فأنبعت عين فشرب منها، فهو قوله تعالى: { هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ }.

قال قتادة: هما عينان بأرض الشام في أرض يقال لها: الجابية.

قوله تعالى: { وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَٱضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ } أي: وقلنا له خُذْ بيدك حزمة من حشيش أو ريحان أو عيدان ونحو ذلك، فاضرب به ولا تحنث، وكان عليه السلام حَلَفَ في مرضه ليضربن امرأته مائة جلدة إن عافاه الله تعالى.

واختلفوا في سبب يمينه على أربعة أقوال:

أحدها: ما ذكرناه في سورة الأنبياء من حديث ابن عباس: أن إبليس جلس في طريقها في صورة طبيب فقالت له: يا عبد الله إن هاهنا إنساناً مبتلى، فهل لك أن تداويه؟ فقال: إن شاء فعلت على أن يقول لي إذا برأ: أنت شفيتني، فذكرت ذلك لأيوب فقال: ويحك ذاك الشيطان وحلف ليجلدنها إن شفاه الله تعالى مائة جلدة.

الثاني: ما حكيناه أيضاً في الأنبياء عن الحسن: أن إبليس أتى زوجته بسخلة فقال: ليذبح هذه لي وقد برأ، فأخبرته الخبر، فحلف.

الثالث: أنها جاءته بزيادة على ما كانت تأتيه من الخبز فخاف خيانتها، فحلف ليضربنها.

السابقالتالي
2