الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بَعْدِيۤ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْوَهَّابُ } * { فَسَخَّرْنَا لَهُ ٱلرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَآءً حَيْثُ أَصَابَ } * { وَٱلشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّآءٍ وَغَوَّاصٍ } * { وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي ٱلأَصْفَادِ } * { هَـٰذَا عَطَآؤُنَا فَٱمْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } * { وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ }

قوله تعالى: { قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بَعْدِيۤ } قدَّم طلب المغفرة على طلب الملك؛ لأن المغفرة سبب للسعادة في الدار الآخرة، وهو مقصود الأنبياء والأولياء.

ومعنى: " لا ينبغي ": لا يتسهل لأحد من بعدي.

فإن قيل: كيف سأل مُلْكاً لا ينبغي لأحد من بعده، والمعهود من حال الأنبياء والأولياء الإعراض عن الدنيا والإضراب عنها والزهد فيها، ثم لم يكتف بذلك حتى قال: " مُلْكاً " ، ثم لم يكتف حتى قال: " لا ينبغي لأحد من بعدي " ، وهو سؤال يلوح منه الحرص ويؤذن بالحسد؟

قلتُ: عنه ثلاثة أجوبة:

أحدها: أنه لم يرد المُلْك والاستبداد به ليتنعم به ويمرح نفسه في لذات الدنيا، بل أراد الاستظهار على الكفرة والفَجَرَة والمَرَدَة من الجن والإنس بمعجزة النبوة وقوة المُلْك ليأخذ بنواصيهم إلى طاعة الله تعالى.

الثاني: أنه أراد مُلْكاً مستقراً محفوظاً لا يسلب عنه ولا يقوم به غيره بدلاً عنه، كما سلبه أولاً وأقيم فيه الجسد على كرسيه. وهذا معنى [قول] الحسن.

الثالث: أن المعنى: هب لي مُلْكاً تكون فيه آية تدل على نبوّتي، ولا ينبغي لأحد من الآدميين الذين ليسوا بأنبياء، ويكون في ذلك آية تدل على أنك قد غفرت لي ورددت إليّ نبوتي، ودليله قوله تعالى: { فَسَخَّرْنَا لَهُ ٱلرِّيحَ } وما بعده. قاله الزجاج.

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن عفريتاً من الجن تفلَّتَ عَلَيَّ البارحة ليقطع عليّ صلاتي، فأمكنني الله تعالى منه، فأخذته فأردت أن [أربطه] إلى سارية من سواري المسجد حتى تنظروا إليه كلكم، فذكرتُ دعوة أخي سليمان: { رَبِّ ٱغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بَعْدِيۤ } فرددته خاسئاً ".

قوله تعالى: { فَسَخَّرْنَا لَهُ ٱلرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَآءً } أي: ليَّنة الهبوب.

قال الحسن: ليست [بالعاصفة] المؤذية ولا الضعيفة المقصرة.

{ حَيْثُ أَصَابَ } أي: أراد وقصد.

قال الأصمعي: العرب تقول: أصَابَ فلان الصَّواب فأخطأ الجواب. معناه: أنه قَصَدَ الصواب وأراده وأخطأ مُراده.

ويحكى أن رجلين من أهل اللغة قصدا رؤبة بن العجاج ليسألاه عن هذه الكلمة، فخرج إليهما فقال: أين تصيبان؟ فقالا: هذه طلبتنا، ورجعا.

ويقال: أصاب الله بك خيراً.

قوله تعالى: { وَٱلشَّيَاطِينَ } أي: وسخرنا له الشياطين { كُلَّ بَنَّآءٍ وَغَوَّاصٍ } بدل من " الشياطين " ، وكانوا يبنون له الأبنية، كما قال تعالى في موضع آخر:يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ } [سبأ: 13] ويغوصون له في البحر يستخرجون له الدُّرّ.

{ وَآخَرِينَ } أي: وسخرنا له آخرين { مُقَرَّنِينَ فِي ٱلأَصْفَادِ } وهم مَرَدَة الشياطين سُخِّروا له حتى قرنهم في الأصفاد.

السابقالتالي
2