الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ }

قوله تعالى: { وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ } أي: أعليناه واختبرناه بسلب ملكه.

وكان السبب في ذلك: ما حدثناه شيخنا الإمام أبو محمد عبدالله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي رضي الله عنه قال: أخبرنا أحمد بن المبارك، أخبرنا جدي لأمي أبو المعالي ثابت بن بندار، أخبرنا أبو علي بن دوما، أخبرنا مخلد بن جعفر، أخبرنا الحسن بن علي، أخبرنا إسماعيل بن عيسى، أخبرنا إسحاق بن بشر، أخبرنا جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: كان سليمان عليه الصلاة والسلام رجلاً غَزَّاء، يغزو في البر والبحر، فسمع بملك في جزيرة من جزائر البحر، فركب سليمان الريح وجنوده من الجن والإنس حتى نزل تلك الجزيرة، فقتل ملكها وسبى من فيها وأصاب جارية لم يَرَ مثلها حسناً وجمالاً، وكانت ابنة ذلك الملك، فاصطفاها لنفسه، وكان يجد بها ما لا يجد بأحد، وكان يؤثرها على جميع نسائه، فدخل عليها يوماً فقالت: إني أذكر أبي وملكه وما أصابه فيحزنني ذلك، فإن رأيت أن تأمر بعض الشياطين [فيُصوِّرُون] لي صورة أبي في داري، فأراه بكرة وعشياً، رجوتُ أن يذهب عني حزني، ويسلي عني بعض ما أجد في نفسي، فأمر سليمان صخر المارد فمثَّلَ لها أباها في هيئته في ناحية دارها لا تُنْكر منه شيئاً، إلا أنه لا روح فيه، فعمدت إليه فزيّنته وألبسته حتى تركته في هيئة أبيها ولباسه، فإذا خرج سليمان من دارها تغدو عليه كل غدوة مع جواريها فتُطيّبه وتسجد له، ويسجد جواريها، وتروح بمثله، وسليمان لا يعلم بذلك، حتى أتى لذلك أربعون يوماً، وبلغ الناس، وبلغ آصف بن برخيا، وكان صِدِّيقاً، فدخل عليه فقال: يا نبي الله، قد أحببت أن أقوم مقاماً أذكر فيه من مضى من أنبياء الله تعالى وأثني عليهم بعلمي فيهم، فجمع سليمان الناس، فقام فيهم، فذكر من مضى من أنبياء الله تعالى، وأثنى على كل نبي بما فيه، وذكر ما فضلهم الله تعالى به حتى انتهى إلى سليمان، فَذَكَرَ فضله وما أعطاه الله تعالى في حداثة سِنّه وصِغَره، ثم سكت، فامتلأ سليمان عليه السلام غيظاً، فلما دخل أرسل إليه، فدخل، فقال: يا آصف ذكرتَ من مضى من أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام فأثنيتَ عليهم بما كانوا في زمانهم كله، فلما ذكرتني جعلت تُثني عليَّ بخير في صغري، وسكتَّ عما سوى ذلك من أمري في كبري، فما الذي أحدثتُ في كبري، قال: أحدثتَ أنَّ غير الله تعالى يُعْبَد في دارك منذ أربعين يوماً في هوى امرأة، قال: [في] داري؟ قال: في دارك، قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، عرفتُ ما قلتَ هذا إلا عن شيء بلغك، ثم رجع إلى داره وكسر ذلك الصنم وعاقب تلك المرأة وولائدها، ثم دعا بثياب الطهر فلبسها، ثم خرج إلى فلاة من الأرض ففُرش له الرماد، ثم أقبل تائباً إلى الله عز وجل، فجلس على ذلك الرماد يتمعَّك فيه [متذللاً] مُتضرِّعاً يبكي ويستغفر يقول: يا رب ما هذا بلاؤك عبد آل داود أن يعبدوا غيرك، وأن يقروا في دارهم وأهليهم عبادة غيرك، فلم يزل كذلك حتى أمسى، ثم رجع.

السابقالتالي
2 3 4