الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِذْ دَخَلُواْ عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُواْ لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَٱحْكُمْ بَيْنَنَا بِٱلْحَقِّ وَلاَ تُشْطِطْ وَٱهْدِنَآ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلصِّرَاطِ } * { إِنَّ هَذَآ أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي ٱلْخِطَابِ } * { قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلْخُلَطَآءِ لَيَبْغِيۤ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَٱسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ } * { فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَـآبٍ }

قوله تعالى: { فَفَزِعَ مِنْهُمْ } قال ابن إسحاق: لم يرع داود إلا بهما واقفين على رأسه في محرابه، فقال: ما أدخلكما عليّ؟ قالا: لا تخف خصمان، أي: نحن خصمان.

{ وَلاَ تُشْطِطْ } وقرأ أبو رجاء وقتادة: " تَشْطُط " بفتح التاء وضم الطاء.

يقال: شَطَّ الرجل يَشُطُّ ويَشِطُّ شَطَطاً، وأشَطَّ إشْطَاطاً؛ إذا جَارَ في حكمه.

فالمعنى: ولا تَجُرْ علينا.

وقيل: لا تبعد عن الحق، من قولهم: شَطَّتِ الدار، أي: بَعُدَت.

{ وَٱهْدِنَآ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلصِّرَاطِ }: احملنا على الحق.

قال داود عليه السلام: تكلَّما، فقال أحد الملكين: { إِنَّ هَذَآ أَخِي } يريد: في الدين، أو أخوة الصداقة والألفة، أو أخوة الشركة.

{ لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً } وقرأ الحسن بخلاف عنه: " تَسْعٌ " بفتح التاء. وقرأ أيضاً والأعرج معه: " نِعْجَةً " بكسر النون.

قال أبو الفتح: قد كثر عنهم مجيء الفَعْل والفِعْل على المعنى الواحد، والفَعْلة والفِعْلة أيضاً، مثل: البَزْر والبِزْر، والنَّفْط والنِّفْط، والحَبْر والحِبْر، وكذلك: لَقْوَةٌ ولِقْوَةٌ، وقوم شَجْعَة وشِجْعَة للشُّجَعَاءِ، والمَهْنَةُ والمِهْنَةُ للخدمة.

فكأن مقصودهما التّوْرية والتمثيل، فلهذا كنُّوا عن النساء بالنِّعاج، والعرب تُورِّي عن المرأة بالشاة والنعجة.

قال الأعشى:
فرميتُ غفلةَ عينِهِ عن شَاتِه     فأصبْتُ حبةَ قَلْبها وطِحَالَها
وقال الآخر:
يا شَاةَ ما قَنَصٍ لمنْ حلَّت له    ........................
{ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا } ضمها إليّ واجعلني كافلها لتتم له المائة.

{ وَعَزَّنِي فِي ٱلْخِطَابِ } قال الشاعر:
قَطَاةٌ عزَّها شَرَكٌ فباتتْ     تُجاذِبُه وقد عَلِقَ الجنَاح
وقرأتُ على شيخنا أبي البقاء رحمه الله لعاصم من رواية خلف عن يحيى عن أبي بكر عنه: " وعَزَني " بتخفيف الزاي، وهي قراءة أبي حيوة.

قال ابن جني: خفف الكلمة بحذف الزاي الثانية أو الأولى، كما حكاه ابن الأعرابي، من قولهم: ظَنْتُ، أي: ظننت، وكقول أبي زبيد:
خَلاَ إنَّ العِتَاق من المطايا     أحَسْنَ به فهُنَّ إليه شُوسُ
فإن قيل: كيف شاع للملكين كلام قول ما لم يكن؟

قلتُ: هو على سبيل الفرض والتقدير لا على وجه التحقيق والإخبار.

{ قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ } جواب قسم محذوف.

فإن قيل: كيف حكم عليه بالظلم من قبل أن يسمع كلامه؟

قلتُ: الظاهر أنه استنطقه فاعترف، غير أنه لم يحك في القرآن، أو يكون التقدير: إن كان الأمر على ما تقول: لقد ظلمك { بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ } ، أي: بسؤاله نعجتك { إِلَىٰ نِعَاجِهِ } أي: ليَضُمَّها إلى نعاجه.

{ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلْخُلَطَآءِ } أي: الشُّركاء - وكان داود عليه السلام ظنهما شريكين - { لَيَبْغِيۤ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } المعنى: فإنهم لا يظلمون.

{ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ } أي: هُمْ قليل.

و " ما " صلة، أو موصولة، على معنى: وقليل الذين هم كذلك.

قال المفسرون: فلما قضى داود عليه السلام بينهما نَظَرَ أحدهما إلى صاحبه فَضَحِكَ، وصعدا إلى السماء، فعلم داود عليه السلام أن الله تعالى ابتلاه، وإنما ذَكَّرَاه تمثيلاً لقصته، فهو قوله تعالى: { وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ } أي: أيْقَنَ وعَلِمَ أنما ابتليناه.

السابقالتالي
2 3