الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْحِسَابِ } * { ٱصْبِر عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا ٱلأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ } * { إِنَّا سَخَّرْنَا ٱلجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِشْرَاقِ } * { وَٱلطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ } * { وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ ٱلْحِكْمَةَ وَفَصْلَ ٱلْخِطَابِ }

قوله تعالى: { وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا } القِطُّ: القسْط من الشيء؛ لأنه قطْعة منه، مِنْ قَطَّه؛ إذا قطعه.

ويقال [لصحيفة] الجائزة: قِطّ؛ لأنها قطعة من القرطاس.

قال ابن عباس وقتادة: المعنى: عَجِّلْ لنا نصيبنا من العذاب والعقوبة، قالوا ذلك تكذيباً واستهزاءاً.

وقال سعيد بن جبير والسدي: لما ذكر لهم ما في الجنة قالوا: عجل نصيبنا منها في الدنيا.

وقال أبو العالية والكلبي ومقاتل: لما نزل قوله تعالى:فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ } [الحاقة: 19]،وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَٰبَهُ بِشِمَالِهِ } [الحاقة: 25] قالت قريش: زعمت يا محمد أنا نؤتى كتابنا بشمالنا، فعَجِّل لنا قِطَّنا قبل يوم الحساب، يقولون ذلك تكذيباً به، فقال الله تعالى: { ٱصْبِر عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ } يعني: من الكفر والتكذيب والأذى.

فإن قيل: ما وجه المطابقة بين هذا وبين قوله تعالى: { وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ } حتى قرن به وعطف عليه؟

قيل: قد أجاب الزمخشري عنه فأحسن، قال: كأنه قال لنبيه عليه الصلاة والسلام: اصبر على ما يقولون، وعظّم أمر معصية الله تعالى في أعينهم بذكر قصة داود، وهو أنه نبي من أنبياء الله تعالى قد أولاه ما أولاه من النبوة والملك، لكرامته عليه وزلفته [لديه]، ثم زلّ زلةً فبعث الله تعالى [إليه] الملائكة ووبَّخه عليها، على طريق التمثيل والتعريض، حتى فطن لما وقع فيه فاستغفر وأناب، ووجد منه ما يحكى من بكائه الدائم وغمّه الواصب، فما الظن بكم مع كفركم ومعاصيكم؟ أو قال له صلى الله عليه وسلم: اصبر على ما يقولون، وصُنْ نفسك وحافظ عليها أن تزلّ فيما كُلّفت من مصابرتهم وتحمّل أذاهم، واذكر أخاك داود وكرامته على الله كيف زَلَّ تلك الزلّة اليسيرة، فلقي من توبيخ الله وتظليمه ونسبته إلى البغي ما لقي.

{ ذَا ٱلأَيْدِ } ذا القوة في الدين المضطلع بمشاقّه وتكاليفه، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوماً ويُفْطر يوماً، - وهذا أشق شيء نجده على النفس -، ويقوم نصف الليل.

{ إِنَّهُ أَوَّابٌ } رجّاع عن كل ما يكره الله تعالى.

{ إِنَّا سَخَّرْنَا ٱلجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِشْرَاقِ } وهو وقت إضاءة الشمس وصفاء شعاعها.

قال الزجاج: يقال: شَرِقَت الشمس؛ إذا طلعت، وأشرقت؛ إذا أضاءت.

وقال غيره: يقال: شرقت الشمس ولما تشرق.

وقد روي عن ابن عباس أنه [فَسَّر] التسبيح بالإشراق في هذه الآية بصلاة الضحى.

وقال: حدثتني أم هانئ: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها فدعا بوضوء فتوضأ، ثم صَلّى الضحى وقال: يا أم هانئ هذه صلاة الإشراق ".

{ وَٱلطَّيْرَ مَحْشُورَةً } أي: مجموعة إليه تُسبّح الله تعالى معه.

قال ابن عباس: كان إذا سبّح جاوبته الجبال بالتسبيح، واجتمعت إليه الطير فسبّحت، فذلك حشرها.

السابقالتالي
2