وفي قوله تعالى: { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ } مع ما في حيزها تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وتخويف لكفار قريش بما ذكَّرهم به من سنّته جلّت عظمته في الأمم المكذبة ممن كانوا أشد منهم قوة وأعظم مُلْكاً. { وفِرْعَوْنُ ذُو ٱلأَوْتَادِ } قال عطية: الجنود والجموع العظيمة. يشير إلى استقرار ملكه واستحكام أمره واستفحال سلطانه، وأصله من ثبات المطنب بالأوتاد، كما قال:
والبيتُ لا ينبني إلا على عَمَدٍ
ولا عِمادَ إذا لم تُرْسَ أوتَادُ
فاستعير لثبات العزة والملك كما ذكرناه، ومنه قول الأسود بن يعفر:
..........................
في ظِلِّ مُلْكٍ ثَابتِ [الأوتاد]
وقيل: هذا إشارة إلى جبروته وبطشه وتعجْرفه، فإنه كان إذا غضب على إنسان أمر به فَمُدَّ بين أربعة أوتاد وأرسل عليه العذاب. قال مقاتل بن حيان: كان يَمُدُّ الرجل مُستلقياً على الأرض ثم [يشدّه] بالأوتاد. وقال السدي: كان يمدّ الرجل ويشدّه بالأوتاد، ويرسل عليه العقارب والحيات. وقيل: كان يشد كل عضو إلى سارية ويتركه في الهواء حتى يموت. وقال قتادة وعطاء: كانت له أوتاد وأرسان وملاعب يلعب عليها بين يديه. قوله تعالى: { فَحَقَّ عِقَابِ } أي: فوجب عليهم عقابي بتكذيبهم. { وَمَا يَنظُرُ هَـٰؤُلآءِ } كفار مكة لوقوع العذاب بهم { إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً } وهي النفخة الأولى في الصور { مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ }. قرأ حمزة والكسائي وخلف: " فُوَاق " بضم القاف والفاء، وفتحها الباقون. قال الفراء وأبو عبيد وأبو علي: " الفَواق " - بالفتح -: الراحة والإفاقة، وبالضم: من فُواق الناقة، وهو ما بين الحلبتين. وقيل: هما لغتان بمنزلة جَمَامُ [المَكُول] وجُمَامِهِ، وقَصَاصِ الشَّعْرِ وقُصَاصِهِ. وقال ابن عباس وقتادة: ما لها من رجوع. قال الزجاج: المعنى في القراءتين: ما لها من رجوع. [والفُواق]: ما بين حَلْبَتَيْ الناقة، وهو مشتق من الرجوع أيضاً؛ لأن اللبن يعود إلى الضرع، ويقال: أَفَاقَ من مرضه؛ إذا رجع إلى الصحة، وهو من هذا أيضاً. وقال صاحب الكشاف: ما لها من توقف مقدار فواق، وهو ما بين حَلْبَتَي الحالِب ورَضْعَتَي الرَّاضِع. يعني: إذا جاء وقتها لم تستأخر هذا القدر من الزمان؛ كقوله تعالى:{ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } [النحل: 61].