قال الله تعالى: { صۤ } اتفق القراء السبعة والأكثرون على تسكين الدال، وكان أبو جعفر يقف وقفة يسيرة. وقرأ أبي بن كعب والحسن: " صادِ " بكسر الدال. وقرأ عيسى بن عمر: " صادَ " بفتح الدال، ومثله: قاف، ونون. وقرئ: " صادٍ " بالجر والتنوين. قال الزمخشري: قرئ بالفتح والكسر لالتقاء الساكنين، ويجوز أن ينتصب بحذف حرف القسم وإيصال فعله، كقولهم: اللهَ لأفعلنَّ، بالنصب، أو بإضمار حرف القسم، والفتح في موضع الجر، كقولهم: اللهِ لأفعلنَّ، بالجر وامتناع الصرف للتعريف والتأنيث، لأنها بمعنى السورة، وقد صرفها من قرأ " صادٍ " بالتنوين والجر على تأويل الكتاب والتنزيل. وقيل فيمن كسر: هو من المُصَادَاةِ، وهي المعارضة. قال أبو علي الفارسي: ومنه الصدى، [وهو ما يعارض] الصوت في الأماكن الخالية من الأجسام الصلبة، ومعناه: ما عارض القرآن بعملك فاعمل بأوامره وانته عن نواهيه. وقيل: من قرأ " صاد " فعلى الإغراء. وقيل: هو فعل ماض، أي: صاد محمد قلوب الناس واستمالها حتى آمنوا به. وقد سبق الكلام على الحروف المقطعة في أوائل البقرة. وقال مجاهد والقرطبي فيما يخص هذا الحرف: هو مفتاح أسماء الله، صمد، صانع المصنوعات، صادق الوعد. وقال الضحاك: صدق الله. وقيل: صدق محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك مروي عن ابن عباس. وقال قتادة: اسم من أسماء القرآن. وقيل: اسم السورة. وقال السدي: قسم أقسم الله تعالى به. قوله تعالى: { وَٱلْقُرْآنِ ذِي ٱلذِّكْرِ } أي: ذي الشرف، كما قال تعالى:{ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } [الزخرف: 44]. وقال ابن عباس: ذي البيان. قال صاحب الكشاف: ذكر اسم هذا الحرف من حروف المعجم على سبيل التحدّي والتنبيه على الإعجاز، ثم أتبعه القسم [محذوف] الجواب لدلالة التحدي عليه، كأنه قال: والقرآن ذي الذكر إنه لكلام مُعْجِزٌ. أو يكون " ص " خبر مبتدأ محذوف، على أنها اسم للسورة، كأنه قال: هذه ص، يعني: هذه السورة التي أعجزت العرب، والقرآن ذي الذكر، كما تقول: هذا حاتم والله، [تريد]: هذا هو المشهور بالسخاء والله؛ وكذلك إذا أقسم بها كأنه قال: أقسمت بصاد والقرآن ذي الذكر إنه لمعجز. وقال جماعة من أهل المعاني: جواب القسم محذوف، بتقدير: والقرآن ذي الذكر ما الأمر كما يقول الكفار، ودلّ على هذا المحذوف قوله تعالى: { بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ }. وقال الواحدي: جواب القسم قد تقدم، أقسم الله تعالى بالقرآن أن محمداً قد صدق، كما تقول: فعل والله، وقام والله. قوله تعالى: { بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي عِزَّةٍ } أي: استكبار وأنَفَة عن الإذعان للحق والاعتراف به. وقرئ " غِرَّةٍ " بالغين معجمة والراء المهملة. أي: في غفلة. ثم خوفهم فقال تعالى: { كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَواْ } عند معاينة العذاب بالاستغاثة.